||   أهلاً بكم في كتاباتي .. زُواراً وقُرَّاء ... مع خواطرَ وذكريات .. مقالات وحكايات ..صور وتسجيلات ..أسئلة وإجابات..مع جديد الاضافات ، أدونها في هذه الصفحات .. مصطفى مصري العاملي   ||   يمكنكم متابعة البرنامج المباشر أئمة الهدى على قناة كربلاء الفضائية في الساعة الرابعة عصر كل يوم اربعاء بتوقيت كربلاء . ويعاد في الخامسة من فجر كل يوم الخميس .   ||  

حكمة الساعة :

قَالَ علي (ع) الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ .

البحث في الموقع :


  

الكتب :

  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  •  مناسك الحج والعمرة مع شرح وملحق استفتاءات
  • الطهارة مسائل واستفتاءات
  • كتاب التقليد والعقائد
  • شرح منهاج الصالحين، الملحقات الجزء الثالث
  • شرح منهاج الصالحين، المعاملات الجزء الثاني
  • شرح منهاج الصالحين، العبادات الجزء الاول
  • رسائل أربعين سنة

جديد الموقع :



 أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟

 حديث حول المرجع الراحل السيد الروحاني وبيان ارشادي لمقلديه

 الاعلان عن موعد تشييع المرجع الراحل

 الوكيل العام لسماحة السيد الروحاني قدس سره ينعاه

  رحم الله آبا آمنة.. له مع أئمة الهدى بصمات لا تنسى

 من أهم ما يهدى الى الميت بدقائق

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 لا تغضبوا المتوالي.. ولو قيدته الشريعة..

 لماذا اخر الامام علي (ع) صلاة العصر وكرامة رد الشمس ؟

 كشف حقيقة خالد ابن الوليد !!

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 رؤية الهلال بين اتحاد الافق و اختلاف الافق

 هل قال علي (ع) هذا الكلام ؟كلام منسوب للأمير (ع) بين الإفراط والتفريط

 هل أغاثهم علي (ع) قبل ولادته ؟

مواضيع متنوعة :



 بين عيد الأضحى وعيد الغدير الاغر - الحلقة 123

 الدين عقيدة وسلوك ج1، معنى الدين

 تشريع النبي (ص) وتشريعات الخليفة الثاني ج17 - الحلقة 159

 حديث خواطر مع الشهيد الدكتور مصطفى چمران

 كيف يمكن تقييم الشاب ج2 - الحلقة 12

 رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة الخامسة( خمسة أيام في كربلاء... أي سرُّ يحمله الحسين...)

 ما بعد خطبة الزهراء ج3 - الحلقة 85

 في ذكرى ولادة مصطفى شمران ( جمران)

  محاضرات رمضانية في الصحن الشريف للعتبة الحسينية – اليوم السابع والعشرين

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 مخالفة الله ورسوله بين الفسق والكفر ج2 ( الحلقة 6)

 عن زواج أمير المؤمنين بالزهراء عليها السلام - الحلقة 26

 مع دعاء اليوم الخامس من ايام شهر رمضان المبارك

 المدير وأولياء الطلاب ج1 - الحلقة 32

 الحسين عليه السلام يهزم ابليس - الحلقة 35

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 3

  • الأقسام الفرعية : 32

  • عدد المواضيع : 685

  • الألبومات : 5

  • عدد الصور : 36

  • التصفحات : 6763582

  • التاريخ : 29/03/2024 - 07:54

 
  • القسم الرئيسي : كتاباتي .

        • القسم الفرعي : ابحاث ومحاضرات .

              • الموضوع : الامام الحسين عليه السلام .. الشاهد والشهيد.. .

الامام الحسين عليه السلام .. الشاهد والشهيد..


نص محاضرة للشيخ مصطفى مصري العاملي في جامعة النهرين، كلية العلوم بتاريخ 9-10-2019 في المهرجان السنوي المنعقد تحت شعار وفاء .. للحسين وتحت عنوان:

                     الامام الحسين  عليه السلام .. الشاهد والشهيد..

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ، وَ لَهُ الشُّكْرُ عَلَى مَا أَلْهَمَ، وَ الثَّنَاءُ عَلَى مَا قَدَّمَ،...

ابْتَدَعَ‏ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا، وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا ...‏

سلام عليكم أيها الحضور الكريم جميعا مع حفظ المقامات.. فردا فردا .. ورحمة الله وبركاته.

وبعد فإنه يسعدني ان ألبي دعوة كريمة للمشاركة وللمرة الثانية، في المهرجان السنوي الذي يقام في جامعة النهرين بنسخته الخامسة والذي ينعقد هذا العام تحت شعار  وفاء .. للحسين..

ووفاء للحسين عليه السلام ونحن في ايامه أحببت أن أبتدأ هذه المحاضرة التي اخترت لها عنوان: (الحسين عليه السلام، الشاهد  والشهيد )  بفقرات من شهادات خَلُدَت عبر الزمن، اطلقتها أمه فاطمة الزهراء عليها السلام قبل 1430 سنة من الان، وتحدثت فيها عن أسس علمية ترتبط بنشأة الكون والحياة والانسان وكافة المخلوقات.

أليست هذه الخصائص والأسس هي ما تحاولون في هذا الصرح العلمي الاكاديمي وما يشبهه في عالمنا المعاصر التعرف عليه من خلال الأبحاث العلمية المتواصلة، سواء كانت تلك العلوم نظرية أم تطبيقية ، وفي كل الأقسام من الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وما يشبهها من تخصصات تتعلق بدراسة المواد التي يتكون منها عالمنا المادي؟ أو التي نحتاجها في حياتنا؟ وكيف تتحول؟ أو تتبدل من حالة الى حالة؟ أليس هذا ما يدرسه ابناؤنا وبناتنا الطلبة في هذه الكلية ، كلية العلوم وشبهها من الكليات والجامعات والمعاهد؟ في هذا البلد وفي جميع البلاد؟

وهنا تبدوا لنا مفارقة جديرة بالتأمل والتركيز والاهتمام، وهي أنه في ذاك الزمن الموغر في القدم تحدثت امرأة  لم تدرس وفق أنظمتنا العلمية المعاصرة ، فتحدثت  بلغة علمية  متطورة، وسابقة للزمان ولاكتشافات الانسان، تناولت فيها المنطلق والاساس والمنهج والنتائج ،  فقدمت شهادة يقينية قطعية وليست ظنية احتمالية  عندما قالت بعد الحمد والشكر  للصانع العظيم.. ابْتَدَعَ‏ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ قَبْلَهَا، فأخذتنا الى مرحلة ما قبل ظهور المادة الاولى في هذا الكون ، وبينت أن لا مادة كانت قبلها، وأنها تكونت لا من شيء كان قبلها، بل كانت خلقا ابداعيا خاصا ليست له مادة سابقة،

ثم أخذتنا الى معنى آخر فقالت:  وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا، كل كائن وكل مخلوق صنع في قالب مبتكر خاص به ، فلا نموذج سابق لنموذج هذه المخلوقات...‏

فبينت بهذه الكلمات القليلة المختصرة قدرة القادر القدير، وكشفت لنا عن عناوين لعلوم تخطت التقادير، ووضعت أساسا لأي بحث علمي نسعى للتعمق به في حياتنا العلمية ، النظرية والمادية.

لا شك بأنه عند قراءتنا الموضوعية لهذا الكلام ودلالاته العلمية العميقة ندرك أن هذا الكلام سابق للزمان، وتطور علومه، وسابق لعلم الانسان وتعدد تجاربه، الذي تراكم عبر السنين.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، من أين أتت هذه المرأة بهذه المعرفة؟ من أين أتت هذه الشهادة اليقينية القطعية  من هذه المرأة العظيمة؟

هذه المرأة ، نهلت من معين خاص، من مصدر خاص، إنه معين أبيها، خاتم الأنبياء والرسل، الذي وصفه رب العزة بقوله تعالى : وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏ ، وقال فيها: فَاطِمَةُ ، إِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ وَ هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَ هِيَ نُورُ عَيْنِي وَ هِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي وَ هِيَ رُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ وَ هِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةُ ...

 إِنَّ اللَّهَ لَيَغْضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ وَ يَرْضَى لِرِضَاهَا .. هذه هي المرأة صاحبة الشهادة..

و شهادتها القطعية هذه مما لا يمكن أن يرقى اليها شك على الاطلاق.

ولكي ندرك أثر تلك الشهادة العلمية القطعية للزهراء عليها السلام فإنه يتعين علينا ان نعود قليلا لكي نبحث عن معنى كلمة الشهادة ودلالاتها كمصدر في اللغة، اشتقت منه كلمة الشاهد والشهيد، وبقية المفردات المرتبطة بها، وعندها نستطيع ان نلج الى محراب الحسين عليه السلام من خلال فهمنا لتلك الصفة التي اتصف بها ، بأنه شاهد وشهيد..

إذ لا شك بأن كل من يتكلم او يتحدث عن الحسين عليه السلام فإنه ينطلق من صورة مرتكزة في الذهن عن صفة امتاز بها من بين الشهداء ألا وهي انه سيد الشهداء، وهذا يعني أننا نقصد معنى من معاني كلمة الشهيد، و ذاك المعنى هو القتل في سبيل الله، وهو ما حصل مع الحسين عليه السلام على رمضاء كربلاء مع أهل بيته واصحابه سنة 61 للهجرة، وبالتالي فهو من مصاديق الآية الكريمة  وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ‏.

ولكن هل هذا هو المعنى الوحيد الذي يمكن ان نفهمه من دور الحسين عليه السلام؟

لقد سبق وتحدثت قبل سنتين في هذا المكان عن منطلقات النهضة الحسينية، التي تكاملت فيها القضية بأبعاد ثلاثية متلازمة، الحسين الانسان، و كربلاء المكان، مع عاشوراء الزمان ، فكانت ثلاثية الحسين، وكربلاء وعاشوراء.

واليوم نتحدث عن بعض خصوصيات الحسين عليه السلام ببعده الإنساني، وخصوصياته الالهية، من خلال تفصيل الكلام عن معاني الشهادة  لنقترب من معرفة الحسين .. الشاهد و الشهيد ، والكلام سيكون في خمسة محاور:

المحور الاول:  ما هي أهمية الشهادة في حياة الانسان؟

انطلاقا من واقع حياتنا المدنية والاجتماعية نجد أن انتظام حياة البشر يرتكز على معنى من معاني الشهادة، إذ بدونها يختل النظام الاجتماعي للحياة، بل لا يمكن لنا ان نتصور نظاما اجتماعيا يحكم علاقة الناس فيما بينهم بدون اعتمادهم على الشهادة.

فما أن يأتي المولود الى هذه الحياة حتى يحتاج الى شهادة ولادة تثبت نسبه، وما أن يصير طالبا يتدرج في مراحله التعليمة الأولى حتى يحتاج الى شهادة نجاح تؤهله لكي ينتقل من صف الى صف. وما أن ينتسب الى كلية او جامعة حتى نراه يحتاج الى شهادة تثبت أهليته للانتقال من فصل دراسي الى فصل دراسي آخر،  في شتى مجالات الدراسة النظرية والتطبيقية، وعندما يكمل دراسته الجامعية فإنه يحتاج الى شهادة تخرج تثبت نجاحه في مورد اختصاصه، ثم لكي يمارس  المهنة التخصصية  التي نجح بها فإنه يحتاج الى شهادة تسمح له بممارسة تلك المهنة.

ثم نجد أن من ينتسب الى سلك ما او ينتمي الى مؤسسة، او يتحمل مسؤولية وظيفية عامة أو خاصة في أي دائرة من دوائر المجتمع المدني او الحكومي، فإنه يحتاج الى شهادة تثبت ذلك، ومن يدعي مسؤولية او موقعاً دون امتلاكه لتلك الشهادة فانه يعتبر منتحل صفة ويحاسب.

ومن يرث عقارا أو يشتري ارضا او منزلا او سيارة أو أي شيء ذي قيمة مالية فإنه يحتاج الى شهادة تثبت تلك الملكية، وإن لم يكن لديه ذلك فإنه يكون عرضة للاتهام، وحتى في النظم المالية الحديثة فإن أراد ان يضع أموالا في البنك فعليه ان يقدم شهادة تثبت مصدر الاموال.

وحتى عقود الزواج التي تعتبر الأساس للمنظومة الاجتماعية الأولى التي تبدأ بالاسرة ،  تحتاج الى شهادة، بل كل معاملة وشراكة بين الافراد، نحتاج في اثباتها الى شهادة، والشهادة هي مقدمة لحسم أي نزاع يصل الى القضاء او يحتاج الى اثبات أي حق من الحقوق.

اذن في كل امر من أمور حياتنا نحتاج الى شهادة تبدد كل الوساوس والاوهام وتثبت الحقائق.

أليس هذا هو واقع حياتنا من لحظة ولادتنا، الى لحظة الشروع في ممارسة حياتنا المهنية، وصولا الى شهادة وفاتنا ، قبل أن تنتقل ممتلكاتنا الى ورثتنا؟

المحور الثاني: الشهادة ، ومعناها وبيان حقيقتها، ومعنى الشاهد، والشهيد، والشهود؟

إن كانت لبعض معاني الشهادة كل تلك الأهمية في حياتنا؟ فماذا تحمل لنا هذه الكلمة المستعملة مع مشتقاتها في اللغة من معان،  ؟ وكيف لنا ان نعرف ما يرتبط منها بالحسين؟

نبدأ مع كتاب العين  وهو من اقدم قواميس اللغة للعالم الشهير الخليل ابن احمد الفراهيدي: حيث يقول:  أَصل‏ الشهادة كمعنى هو  الإِخْبار بما شاهَدَه‏. ولذا يعبر عنها بأنها : خَبرٌ قاطعٌ. ويعرفون الشَّهَادَة كمعنى  بأنها: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر.

و قد يعبّر بِالشَّهَادَةِ عن الحكم نحو: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها. يعني حكم حاكم من أهلها.       و عن الإقرار نحو: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ‏.

ومنها اطلاق الشهادتين، على كلمة التوحيد اشهدان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله. ومن معاني  الشَّهادة أن تقول: اسْتُشْهِدَ فلان فهو شَهِيد، و قد شَهِدَ عليّ فلان بكذا شَهَادة، و هو: شاهِد و شَهِيد. وهنا نجد ان هاتين الكلمتين اشتقتا من كلمة الشهادة والتي هي مصدر.

ويقال : الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه‏، ويقال : شَهِدَ الشاهِدُ عند الحاكم أَي بين ما يعلمه و أَظهره‏، و شَهِدَ فلان على فلان بحق، فهو شاهد و شهيد.

وقيل في تفسير الشاهِد في قوله وتعالى وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُود أن الشاهد هو النبي صلى الله عليه و على آله. و المَشْهُود هو يوم القيامة. ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)

في المصباح المنير يقول: (الشَّهَادَةُ) هي الإِخبَارُ بِمَا قَدْ شُوهِدَ (والشَّهَادَةَ) اسْمٌ مِنَ (الْمُشَاهَدَةِ) وَ هِىَ الاطِّلَاعُ عَلَى الشَّىْ‏ءِ عِيَاناً. و (شَهِدْتُ‏) الشَّىْ‏ءَ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ وَ عَايَنْتُهُ فَأَنَا (شَاهِدٌ)، و (شَهِدْتُ‏) الْمَجْلِسَ حَضَرْتُهُ فَأَنَا (شَاهِدٌ) و (شَهِيدٌ) أَيْضاً، وَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى‏ «فَمَنْ‏ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» أَىْ مَنْ كَانَ حَاضِراً.

ولذا يقال : (الشَّاهِدُ) يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ، أَىْ الْحَاضِرُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْغَائِبُ .

ويُعرّف الشَّهِيدُ بأنه مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِى المَعْرَكَةِ .. لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ (شَهِدَتْ‏) غَسْلَهُ أَوْ (شَهِدَتْ‏) نَقْلَ رُوحِهِ إِلَى الجَنّةِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ شَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ.

في النهاية في غريب الحديث  يقول: من أسماء اللّه تعالى «الشَّهِيدُ» و الذى لا يغيب عنه شى‏ء. و الشَّاهِدُ: الحاضر، والشهيد على وزن فعيل من أبنية المبالغة فى فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم، و إذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير، و إذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشَّهِيدُ. و قد يعتبر مع هذا أن‏ يَشْهَدَ على الخلق يوم القيامة بما علم. و منه‏ حديث عليّ‏ «و شَهِيدُك‏ يوم الدين» أى شَاهِدُكَ على أمّته يوم القيامة.

و الشَّهِيدُ فى الأصل من قتل مجاهدا فى سبيل اللّه، و يجمع على‏ شُهَدَاءَ، .. و سمّى‏ شَهِيداً لأنّ اللّه و ملائكته شُهُودٌ له بالجنّة. و قيل لأنه حي لم يمت، كأنه‏ شَاهِدٌ: أى حاضر. و قيل لأنّ ملائكة الرّحمة تَشْهَدُهُ. و قيل لقيامه بشهادة الحقّ فى أمر اللّه حتى قتل. و قيل لأنّه يشهد ما أعدّ اللّه له من الكرامة بالقتل. و قيل غير ذلك.

اذن هناك استعمالات لمعان متعددة في كلمتي الشاهد والشهيد فقد يلتقيان في الاستعمال وقد يختص كل منهما باستعمال خاص، وبالتالي فجمع الشاهد هو شهود، وجمع الشهيد شهداء.

المحور الثالث: من هم الذين يمكن ان يوصفوا بأنهم شهود؟ أوشهداء؟

ولنكتف بالتفصيل الوارد في كتاب الله تعالى اذ تطالعنا الآية 18 سورة آل عمران والتي تقول:  شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ. لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ‏ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهيداً (166)

فالله شاهد، والملائكة شهود، وأولوا العلم شهود،  ونتوقف عند اولوا العلم فنجد فيها الجواب على السؤال الذي طرحناه في مقدمة الحديث عن تلك الشهادة القطعية اليقينية لفاطمة الزهراء،  فهي من اولوا العلم الذين تقرن شهادتهم بشهادة الله وملائكتته.

وتتسع دائرة الموصوفين بأنهم شهود، فنجد الاية 172 من سورة .... تبين لنا أن الناس هم شهود على انفسهم: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني‏ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ‏ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ (172)

وأما الاية 143 من سورة ... فتبين لنا أن الرسول هو شاهد، وأمته شاهدة على غيرها.. وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً ..

وليس الرسول شاهدا فحسب بل جميع الأنبياء هم شهود مع الله كما تقول الآية 81 من سورة .. وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ‏.

وأتباع الأنبياء شهود أيضا كما تبين لنا الاية 111 من سورة ... وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بي‏ وَ بِرَسُولي‏ قالُوا آمَنَّا وَ اشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ .

والاية 83 من سورة ... يطلبون من ربهم قائلين: وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى‏ أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ‏ .

والمؤمنون شهود.. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ‏ (53)

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ  (135)

والكافرون من الانس والجن يشهدون على أنفسهم كما في الآية 130.. يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي‏ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى‏ أَنْفُسِنا وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ شَهِدُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرينَ .

وجوارح الانسان تشهد على فعله وهو ما تبينه لنا الاية 24 من سورة .. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْديهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65)

حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20)

وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ‏ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)

وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)

يتضح لنا من ذلك ان هناك تفاوتا كبيرا في استعمال هذه الصفات، فالله تعالى هو شاهد، والانبياء شهود، والمؤمنون، والكفار، وجوارح الانسان شهود، والجن والانس شهود.. اذن فما هو التمايز الذي يفصل لنا بين هذه المراتب في حياتنا ؟

المحور الرابع: أهمية الشاهد و الشهادة بأهمية المشهود به والمشهود له.

لا شك من خلال التأمل في الايات الكريمة التي استعرضناها أن هناك تمايزا في المراتب وأهمية كل واحد منها ترتبط بأهمية ما يتعلق بها، فالشهادة تكسب قوتها وأهميتها من أهمية الشاهد، فكلما كان الشاهد ذا مرتبة عالية كان أثر الشهادة عاليا، وكلما كان موضوع الشهادة عظيما كان لها أهمية واثر، ولذا نجد ان هناك آثارا كبيرة تترتب على كل شهادة، بل وهناك أحكام وتكاليف تتعلق بالشهادة، فنجد الامر الإلهي بإظهار الشهادة: كما في الاية 283 من سورة ...وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ .

ونجد تكليفا الهيا لأنبياءه بالشهادة: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً (45) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى‏ فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15)

ونجد محاسبة على من يخالف شهادته ..كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ (86)

ونجد ان الله قد اختار من خلقه شهداء .. وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمينَ (140)  *  فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهيداً (41)* وَ يَوْمَ نَبْعَثُ في‏ كُلِّ أُمَّةٍ شَهيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهيداً عَلى‏ هؤُلاءِ (89) 

وبالتالي نستيطع القول ان الشهادة العظيمة هي ما تكون على امر عظيم أو من شاهد عظيم. قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُم‏، فشهادة الله ليست كشهادة عبيده، وشهادة انبياءه ليست كشهادة بريته، فأين موقعية شهادة الحسين عليه السلام؟

المحور الخامس: ما هي موقعية شهادة الحسين عليه السلام ؟

بعد كل ما مر الحديث عنه نصل الى المحور الأساسي في حديثنا ما هي موقعية شهادة الامام الحسين عليه السلام؟ وما هي خصوصية ان يكون شاهدا وشهيدا؟

نستطيع القول بايجاز أن هناك مجموعة من العناوين والمفاهيم تنطبق على الحسين عليه السلام

أولا: لا شك في أن صفة الشهيد تطلق على الحسين عليه السلام باعتباره من  ابرز مصاديق من تحقق فيه معنى الشهادة المرتكز بالذهن  الذي تشير اليه الاية الكريمة: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فكان أن نال صفة سيد الشهداء بلحاظ  معنى القتل في سبيل الله تعالى، وليس هذا في دار الاخرة فحسب بل في حياتنا الدنيا فإننا نجد الحسين حيا متجددا رغم تقادم السنين التي من طبعها ان تطوي الماضين في غياهب النسيان اما الحسين فنجد في ذكراه حالة استثنائية فريدة حية عبر التاريخ وهو حقيقة ما تشير اليه الاية الكريمة: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في‏ سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ .

ثانيا: من خصوصيات هذه الشهادة انها لم تكن مجرد شهادة فرد خاض حربا فاستشهد، بل كانت حركة تأسيسية لمرحلة مستقبلية راسخة، فصلت في التاريخ بين ما قبلها وما بعدها، من خلال اجتماع عناصر تكاملت فيما بينها، لتشكل بمجموعها هدفا الهيا يرتبط بفلسفة الحياة، وكان الحسين عليه السلام هو المحور في هذه الحركة ليدلل على ارتباطها المباشر بإرادة السماء. ولذا عبر عن بعض ذلك لمن نصحه بعدم الذهاب الى العراق مشيرا عليه بأن يذهب الى اليمن او غيره من البلدان، أو أن يخوض المواجهة من المدينة المنورة بقوله عن لسان الرسول المصطفى: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاكَ‏ قَتِيلًا، وكذلك اجاب عندما سئل عن سبب اصطحابه النساء والاطفال فقال:  إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاهُنَّ سَبَايَا.فكان قراره السير نحو العراق ، ومقصده ارض كربلاء، ولذا نجد انه عندما التقى بالحر الرياحي وكان طليعة جيش الاعداء وسايره في المسير ليومين او اكثر ، لم يختر مكانا للنزول سوى في ذاك المكان الذي كان يقصده ، إنه كربلاء، تماما كما طلب مهلة ليلة قبل المعركة في يوم التاسع من محرم لأنه كان ينتظر الزمن الموعود في يوم عاشوراء.

ثالثا: أراد الحسين عليه السلام ان يثبّت في ذهن الامة مفهوما سلوكيا مرتكزا على المبادئ والقيم السامية من خلال سلسلة من المواقف والسلوكيات كان ابرزها:

أ - إعلانه الموقف المبدئي الصريح و الرافض للانحراف، عندما رفض البيعة ليزيد معللا ذلك بالقول: َ أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْبَيْعَةِ وَ الْخِلَافَة.

ب  - إعلانه الهدف الصريح من حركته وهو ما تضمنته وصيته التي جاء فيها:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحُسَيْنَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ وَ أَنَّ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَ أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ص أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِين‏.

ج – معرفته مسبقا بأن نتيجة حركته لن تكون استلام السلطة، ومع ذلك فإنه سار وفق التكليف الظاهري للأمور، فبعث مسلم بن عقيل الى الكوفة مستطلعا، وانتظر جوابه، وتحرك مستجيبا لدعوته، و كان يدرك جازما بأنه سائر الى الشهادة المحتومة المنتظرة وهو ما تبينه رسالته التي كتبها الى بني هاشم عندما قرر التوجه نحو الْعِرَاقِ:  «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي اسْتُشْهِدَ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي لَمْ يَبْلُغِ الْفَتْحَ وَ السَّلَامُ» فكان مستعدا للتضحية ومجهزا معه العناصر التي ستقوم بدورها الإعلامي من بعده لتواكب النتائج المرجوة من حركته، فكانت زينب وكان زين العابدين وكانت رحلة الاسر والمواجهة الإعلامية التي قلبت نتائج المعركة فتحولت فاجعة كربلاء الى كابوس يقض مضاجع مرتكبيها وصولا الى تدمير كيانهم فشهدت الامة نتيجة لذلك حركات ارتدادية ازالت حكم الطغاة وانتقمت من الظالمين.

د – رسم في سلوكه الإنساني انموذجا لا مثيل له عندما سقى اعداءه الماء مع خيولهم، وذلك عندما التقى مَعَ الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ التَّمِيمِيِّ الذي وَقَفَ هُوَ وَ خَيْلُهُ مُقَابِلَ الْحُسَيْنِ ع فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَ الْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ مُعْتَمُّونَ مُتَقَلِّدُو أَسْيَافِهِمْ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع لِفِتْيَانِهِ اسْقُوا الْقَوْمَ وَ أَرْوُوهُمْ مِنَ الْمَاءِ وَ رَشِّفُوا الْخَيْلَ تَرْشِيفاً.

هـ - دعا على اعداءه بدعاء انطبق عليهم بسبب سلوكهم، عندما رفع الحسين عليه السّلام سبّابته نحو السماء و قال: اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه، اللهمّ امنعهم بركات الأرض، و فرّقهم تفريقا، و مزّقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا. وتحققت دعوته في اعداءه.

رابعا: الحسين في ساعته الأخيرة ، وعندما وقع السهم في نحره فسقط عليه السّلام و جلس قاعدا، فنزع السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه و لحيته، و هو يقول: هكذا حتّى ألقى اللّه مخضّبا بدمي، مغصوبا عليّ حقّي.

الحسين اختاره الله ليكون شهيدا، واختار لنفسه ان يكون شاهدا، فهو شهيد الله ، وهو ثار الله، وهو الشاهد في غد، وقد كتب بدمه نهجا صار مشعلا، إنه النهج الحسيني. في قبالة نهج أراد ان يطغى على الامة ويحرفها باسم الإسلام، مارس ابشع الجرائم باسم الإسلام، ففي سنته الأولى، قتل الحسين وسبا عياله ونطق بمكنونات قلبه قائلا :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

 

جزع الخزرج من وقع الاسل‏

لأهلّوا و استهلّوا فرحا

 

ثم قالوا يا يزيد لا تشل‏

قد قتلنا القرم من ساداتهم‏

 

و عدلناه ببدر فاعتدل‏

لعبت‏ هاشم‏ بالملك فلا

 

خبر جاء و لا وحي نزل‏

لست من خندف إن لم أنتقم‏

 

من بني أحمد ما كان فعل‏

     

وفي السنة الثانية اباح المدينة المنورة  ثلاثة أيام لذلك و العسكر ينهبون و يقتلون و ينتهكون الاعراض ، بقيادة مسلم بن عقبة المري الذي وصف ابن ابي الحديد ما قام به بالقول: و استعرض أهلها بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم، و قتل أبناء المهاجرين و الأنصار و ذرية أهل بدر و أخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة و التابعين على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية. عدا زين العابدين.

وفي السنة الثالثة: رمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فهدمها و أحرقها،

هذا النموذج من السلوك المنحرف كان من الممكن ان يتأصل في الامة ويصبح هو الأساس وتنحرف الامة تماما عن كل ما يرتبط بإرادة السماء، ويعلن ابليس انتصاره  على المشروع الإلهي في الأرض، ولكن شهادة الحسين ، ودماء الحسين وتضحيات الحسين رسمت للامة نهجا آخر لا يزال حيا. فجسد الحسين نقطة ارتكاز محورية لفلسفة الحياة والغاية من ارسال الأنبياء،   فكان بقاء ذكره تجسيدا لبقاء ما يدلل على رسالات الأنبياء في هذه الحياة، لذا نخاطبه في الزيارة قائلين: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ‏ آدَمَ صَفْوَةِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ‏ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ‏ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ‏السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ الله.

فكان الشاهد على هذه الامة في هذه الحياة كما هو شاهد على البشرية في عالم الملكوت.. انه كما قال فيه جده المصطفى مع اخيه الحسن، سيدا شباب أهل الجنة.

لقد انتصر دم الحسين  وخلد الحسين وخلد ذكر الحسين ، وبخلوده بقيت رسالات الانبياء حية فبقاؤها من ثمرات شهادة الحسين.. وغدا الحسين مرتكزا  تتطلع اليه البشرية في سعيها نحو التكامل الانساني ، وهو ما سيبقى حتى اليوم الموعود، يوم يتحقق الوعد الالهي بظهور بقية الله الاعظم أرواحنا فداه والذي يرفع شعارا له راية الحسين.. قبل ان يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد اجتمع بالحسين عليه السلام من الصفات ما لم يجتمع لسواه..

وكان للحسين من المواقف ما لم يكن لسواه.

وأعطي  الحسين ما لم يعط لسواه...  فهو مهوى الافئدة.

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ عَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِين‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/12/24   ||   التصفحات : 4454



كتابة تعليق لموضوع : الامام الحسين عليه السلام .. الشاهد والشهيد..
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

كتاباتي : الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي ©  www.kitabati.net     ||    البريد الإلكتروني : mostapha@masrilb.net    ||    تصميم ، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net