||   أهلاً بكم في كتاباتي .. زُواراً وقُرَّاء ... مع خواطرَ وذكريات .. مقالات وحكايات ..صور وتسجيلات ..أسئلة وإجابات..مع جديد الاضافات ، أدونها في هذه الصفحات .. مصطفى مصري العاملي   ||   يمكنكم متابعة البرنامج المباشر أئمة الهدى على قناة كربلاء الفضائية في الساعة الرابعة عصر كل يوم اربعاء بتوقيت كربلاء . ويعاد في الثانية من فجر كل يوم الخميس .   ||  

حكمة الساعة :

قَالَ علي (ع)تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي التَّدْبِيرِ .

البحث في الموقع :


  

الكتب :

  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  •  مناسك الحج والعمرة مع شرح وملحق استفتاءات
  • الطهارة مسائل واستفتاءات
  • كتاب التقليد والعقائد
  • شرح منهاج الصالحين، الملحقات الجزء الثالث
  • شرح منهاج الصالحين، المعاملات الجزء الثاني
  • شرح منهاج الصالحين، العبادات الجزء الاول
  • رسائل أربعين سنة

جديد الموقع :



  اربع واربعون عاما.. اخدود في ذاكرة التاريخ

 علي وآية الولاية ج37

 أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟

 حديث حول المرجع الراحل السيد الروحاني وبيان ارشادي لمقلديه

 الاعلان عن موعد تشييع المرجع الراحل

 الوكيل العام لسماحة السيد الروحاني قدس سره ينعاه

  رحم الله آبا آمنة.. له مع أئمة الهدى بصمات لا تنسى

 من أهم ما يهدى الى الميت بدقائق

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 لا تغضبوا المتوالي.. ولو قيدته الشريعة..

 لماذا اخر الامام علي (ع) صلاة العصر وكرامة رد الشمس ؟

 كشف حقيقة خالد ابن الوليد !!

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 رؤية الهلال بين اتحاد الافق و اختلاف الافق

مواضيع متنوعة :



 مع خطبة الزهراء ج 13- الحلقة 70

 هل عثمان من اولي الامر ج5 -الحلقة 205

 تأملات في علم عمر ج3 - الحلقة 120

 أهي لقاءات الحنين.. أم لقاءات الوداع.. رحلت باكرا يا عبد الكريم

  محاضرات رمضانية في العتبة الحسينية - اليوم الثاني

 مع دعاء اليوم الرابع من أيام شهر رمضان المبارك

 ضربة المعلم.. صارت ضربتين

 الحلقة 10 عاشوراء معجزات ام اشارات ؟

 الحلقة 2 عاشوراء بين التاريخ والوجدان ج2

 علي في حجر النبي ج1 - الحلقة 218

 حسين مني.. في مصادر المسلمين - الحلقة 2

 تحريم المتعتين -الجزء 7 - الحلقة 182

  محاضرات رمضانية في الصحن الشريف للعتبة الحسينية – اليوم العاشر

 عن كرامة للامام الصادق عليه السلام

 في الأربعين أعظم مسير في التاريخ - الحلقة 37

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 3

  • الأقسام الفرعية : 32

  • عدد المواضيع : 687

  • الألبومات : 5

  • عدد الصور : 36

  • التصفحات : 7471520

  • التاريخ :

 
  • القسم الرئيسي : كتاباتي .

        • القسم الفرعي : ابحاث ومحاضرات .

              • الموضوع : هل يحتاج التقويم الإسلامي الهجري الى تصحيح؟ القسم الاول .

هل يحتاج التقويم الإسلامي الهجري الى تصحيح؟ القسم الاول

 هل يحتاج التقويم الإسلامي الهجري الى تصحيح؟  القسم الاول

تمهيد

باسم الله، ومن الله كانت الكلمة التي لا تنفد، ومنه البدء، واليه المنتهى، وقد جعلها باقية في ذرية إبراهيم، الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع ليقيموا الصلاة، وكلّم موسى فصار كليما، وكان المسيح عيسى كلمةً منه ألقاها الى مريم، فتكلم في المهد صبيا، وقبلهم جميعا علّم آدم الأسماء.

والاسم يحكي المسمّى كما يحكي العنوان المعنون، ولكل أمر غاية، فما له بداية لا بد وأن تحكمه النهاية، ولكلٍ وجهةٌ هو مولّيها، فاستبقوا الخيرات.

وكما أن لكل أجل كتاب، فللكتاب اسم ولكل موضوع عنوان.

وعنوان موضوع كتابتي: هل يحتاج التقويم الإسلامي الهجري الى تصحيح؟

 ومن السؤال الافتراضي الذي اخترته عنوانا، تبدأ رحلة البحث عن الجواب، ولم أختر عنوانا كخلاصةٍ حاكية عن الموضوع، كما هو النسق السائد في العناوين، وهو ما يجعل السؤال الافتراضي بحاجة للإجابة على أكثر من وجه، إذ أنه يوسع دائرة البحث نحو الشيء وضده، ولا يكتفي بأنموذج واحد من الجواب.

وهذا ما يجعل بيانه محتاجا مع مراعاة الاختصار في مثل هذا الموضوع الى وقت وصفحات، ولذا قد يبدوا غريبا بعض الشيء اختيار هكذا عنوان لموضوع علمي له أثره في حياتنا العملية.

ولكن هذا الاستغراب سيرتفع عندما يتضح للقارئ العزيز حقيقة ما دفعني للكتابة،

اذ كانت البداية مع رسالة وصلتني من الدكتور الفاضل عادل شريف أنقل نصها:

الاخ الفاضل الشيخ مصطفى العاملي المحترم

السلام عليكم وكل عام وأنتم بخير

تم في هذا المنبر ( مجموعة تواصل عبر برنامج واتس آب) مناقشة موضوع التقويم، وقدم الباحث التونسي الدكتور الاوسط العياري محاضرة اشترك فيها أكثر من سبعين مشارك من أعضاء هذه المجموعة المتميزة وتم نقاش الموضوع بوقت كافي.

ارفق ادناه الرابط للمحاضرة وكذلك ملخص لبعض النتائج.

https://youtu.be/6uWlx0FNBWU

تناول المحاضر إشكاليات التقويم الاسلامي الهجري وعدم توافقه مع التقويم العربي القمري.

محاضرة الدكتور العياري اجابت على بعض الأسئلة وأزالت الغموض وخصوصا شبهة الشهر المضاف (النسئ). كذلك ازالت الغموض حول الفرق بين الزمان والتقويم وان الرسول عليه وعلى اله الصلاة والسلام والمسلمين صاموا وحجوا على الأشهر القمرية الثابتة مع المواسم، وان القرآن نزل في رمضان الثابت وبالتحديد في 25 ديسمبر.

وعليه إذا أردنا ان نعرف ونحدد بالضبط وقت نزول القران وليلة القدر فمعناها (أن ) نبحث عنها في رمضان الثابت وليس المتحرك مع الفصول.

كذلك بَيّن المحاضر ان كل الأحداث الإسلامية التاريخية من سنة ١ للهجرة والى سنة ١٧ للهجرة لن تجدها في التقويم الهجري لتلك الفترة.

عموما الكثير من الأسئلة والأجوبة تم طرحها مع إجابتها بوقت كافي.

...... مع الود وأخلص الدعاء

اخوكم : عادل شريف المدني الحسيني

فكان جوابي  النص التالي:  وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

سأستمع إن شاء الله إلى هذه المحاضرة ثم أعلق على ذلك، خاصة وأن هذه الفكرة قد سبق وطرحها آخرون فهي ليست فكرة جديدة..

وأما موضوع التقويم من الناحية الشرعية والعلمية فقد سبق وتحدثت عن ذلك في خمس حلقات ضمن برنامج تلفزيوني من بضع سنوات ونشرت بعض جوانبه في مقال منشور..

في كل حال سأعقب لاحقا إن شاء الله على هذا الموضوع بعد أن استمع اليها بشكل كامل..

وبعد استماعي الى تلك المحاضرة علقت في المجموعة بما يلي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

استمعت إلى التسجيل الكامل للمحاضرة مع الأسئلة والاجوبة. .

ونظرا للمحاور المتعددة التي تم تناولها في أصل المحاضرة أو من خلال الأسئلة والاجوبة فقد صار لزاما أن تكون المناقشة شاملة ووافية. .

لذا فقد شرعت بكتابة بحث مفصل عن ذلك بدل التسجيل الصوتي. . ليكون شاملا ووافيا إن شاء الله. .وهو ما يستلزم مني إعادة الاستماع الى ما تم طرحه بدقة وتدقيق.. وإن شاء الله يتم إنجاز ذلك في أسرع وقت ممكن.

مع تحياتي.

                                                          ***

هذا ما دعاني لاختيار سؤال افتراضي عنوانا لهذا الموضوع الذي تأخرت بعض الوقت في إنجازه نظرا لكثرة الالتزامات، وقد استمعت الى التسجيل مع الحوار لمرة ثانية ودونت تفاصيلها وليس عناوينها، وكتبت في ذلك بحثا طويلا أناقش فيه كل تلك المفردات والعناوين التي وردت، ولكني وجدت نفسي مضطرا بعد تلك التوسعة في البحث الى الاختصار قدر الامكان منه تسهيلا للقراءة والاطلاق.

وقبل أن أدخل في مناقشة صلب الموضوع، أود أن الفت النظر الى أمرين هما:

الامر الأول: إن ما طرحه المحاضر الدكتور محمد الأوسط العياري في حديثه الذي استمعت اليه، من نظرية يشكك في احدى فقرات كلامه في صحة التقويم الاسلامي الهجري القمري المعتمد بين المسلمين في زماننا، و يقطع بخطأ هذا التقويم في فقرة أخرى، ويدعوا في النتيجة الى تصحيحه، معللا ذلك بأن المسلمين قد أخطأوا وانحرفوا عن التقويم الصحيح،  ولم يكن لديهم العلم والمعرفة بموضوع التقاويم، وتغيرت بذلك مواعيد عباداتهم الزمانية من صوم وحج وغير ذلك، ابتداء من السنة السابعة عشرة للهجرة، أي في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والذي غيّر وفق اعتقاد الدكتور أسس التقويم العربي القديم الذي كان سائداً لتاريخه من كونه شمسياً قمرياً تتطابق فيه الأشهر العربية مع فصول السنة، الى تقويم قمري تدور فيه الأشهر مدار جميع الفصول.

أقول: إن هذا الطرح هو ليس بالأمر الجديد في عصرنا الحاضر كي ننسب اليه هذه النظرية كما يمكن ان يتوهم البعض، (وكما أشرت سابقا في رسالتي للدكتور عادل)، إذ أن بداية عمله على هذا البحث قد مضى عليها خمسة عشر سنة ، مع العلم أن هناك من سبق الدكتور بطرحه و عرضه لمثل تلك الأبحاث ، كما سأوضحه في سياق البحث.

الامر الثاني: من اللافت للنظر لكل متتبع وباحث أن طرح هذا الموضوع في العصور والأزمنة القديمة وتبعهم بعض المتأخرين كان ضمن اطار البحث التاريخي حول حقيقة النسيء في التقاويم المعتمدة عند الشعوب المختلفة، وكيفية احتسابه وتحديده عبر الأزمنة.

وهذا يختلف تماما عما نجده في الطروحات الجديدة المتأخرة التي يروج لها من سبق الدكتور العياري بطرحها منذ سنوات، و هم أكثر من شخص  اعتمدوا على أكثر من أسلوب في الترويج لتلك الفكرة، ولكلٍ  من هؤلاء خلفيته الثقافية والفكرية وقراءته وتحليله ونظرته المختلفة و التي قد يلتقي فيها بعضهم  مع بعض من جهة ويختلفون من جهات أخرى، بل اللافت أكثر أن بعضهم لا ينتمي الى دين الإسلام، ومع ذلك فهو ينظّر لما يسميه تصحيح التقويم الإسلامي، وربما يكون الدكتور العياري قد شاركهم الطرح فيما قاله من نظريته لتصحيح التقويم العبري.

في كل الأحوال: فإن الملاحظ بين كل تلك النظريات وجود عنصر مشترك بينهم جميعا وهو محاولة اثباتهم بأن التقويم المعتمد بيننا والمعروف بالتقويم الإسلامي الهجري هو خاطئ  ويدعون الى إصلاحه كي تستقيم عباداتنا كمسلمين في وقتها الأصلي، فهم بذلك يطعنون بصحة كل ما عليه الامة من ذاك التاريخ وليومنا هذا، وبكل ما لدينا من أعمال لها ارتباط بالجانب الزمني في حياتنا بما يترتب على ذلك من ملازمات شرعية وعملية، وتحاول هذه النظريات أن تعطي هذه الطروحات بعدا علميا محضا.

فالسؤال هنا: هل فعلا هذه الطروحات الجديدة ترتكز الى فهم علمي حديث لحقيقة التقويم كما قد يعتقد البعض ممن يتأثر بمثل تلك الأفكار؟

أم أن هناك نتيجة أخرى سنصل اليها في نهاية هذا البحث؟  

طبعا لست في هذا البحث بصدد تحليل شخصيتهم من الناحية العلمية والأكاديمية ومدى تطابق اختصاصاتهم مع ما يرتبط بهذا الموضوع ذو البعد العلمي و الشرعي، فهذا له بحث آخر ، ومتروك لدقة الباحث واطلاعه ومقارنته بين العناوين، خاصة وإذا أدركنا أنه ومن الناحية العلمية عندما نريد ان نبحث في موضوع معين وتكون له عدة أبعاد فلا بد لنا من أن نبحثه من كل الجوانب لكي نصل الى النتيجة المرجوة أما لو بحثناه من جانب دون آخر فإن البحث سيكون ناقصا و النتيجة التي سنصل اليها ستكون ناقصة لأنه كما يقال في علم المنطق أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين.

ولاثبات ما قلته سأستعرض عدة نماذج من أصحاب تلك الطروحات الحديثة وأقوالهم:

النموذج الأول: ما نشره الكاتب السوري الأميركي والمعروف في سوريا باسم نيازي عز الدين و في اميركا باسم نيازي اسحق - ( وتبعه ابنه الدكتور وسام الدين اسحق الذي يتابع نشر نظرية والده والترويج لها عبر بعض التأليفات ووسائل التواصل ) -  في كتاب له طبع في العام 1999 عن التقاويم وضمّنه رؤيته التي يرى فيها أن هناك خللا في تقويمنا الهجري المعتمد في زماننا، ويقول انه وصل الى نتيجة مفادها أن المسلمين كانوا يضيفون شهرا الى تقويمهم القمري، وقد تم إلغاء ذاك الشهر في مرحلة لاحقة خلال الخلافة الأموية أو حتى بعد ذلك، ويعلّل ذلك بالقول أنه ربما كان ذلك التغيير بسبب انتقال عاصمة الدولة الإسلامية إلى دمشق أو بغداد التي كان سكانها يعتمدون التقويم الشمسي، ويعتمد في نظريته تلك على نتائج ما أجراه من حسابات ومقارنة بين التواريخ المدونة للأحداث عند المؤرخين الغربيين وما هو مدون في المصادر الإسلامية عن ذلك ويرتكز في ذلك على تاريخ معركة اليرموك بين المسلمين والروم، وقد أشار الدكتور عادل في احدى مداخلاته الى ما يقوله نيازي والاختلاف بينه وبين الدكتور حول شهر رمضان في أي شهر وفق التقويم الغريغوري الحديث.

النموذج الثاني: في عام 2013 انتشرت في عالم الفضاء الالكتروني عدة مقالات في مواقع الكترونية متعددة وبأسماء مجهولة تروج لهذه النظرية بأسلوب يثير الاستغراب بعيدا عن أية مقاربة علمية ، وجاء في بعضها ما يلي: " يعتمد التقويم الهجري الذي تم لصقه زوراً برسالة السماء الخاتمة على مجموعة من التناقضات التي يبدو أن من قاموا بوضعه في عصر ما بعد وفاة النبي الخاتم كان مقصدهم منه هو تضليل أجيال المسلمين بعدهم وتضييع التاريخ الحقيقي لنزول القرءان وهو ليلة القدر، وأيضاً تضييع مواقيت الأشهر الحرم، وما يتبع ذلك من صيام رمضان والحج في أشهر تتجول على مدى الأعوام بين فصول العام ومواسمه المناخية"، والمتأمل لهذا النص يدرك بأدنى تأمل مقدار الحشو الاعلامي في المعلومات بلا دليل.

النموذج الثالث: من اللافت للنظر ان بعض من روّج لهذه النظرية من خلال مقال نشر في العام 2014 في مجلة الحوار المتمدن، ( اليسارية) الالكترونية في العدد 4497  هو كاتب يدعى "محمد هاكوهين" ولا يوجد معلومات وافية منشورة عنه، بل نستطيع القول بأننا لا نعرف شيئا عن هويته الحقيقية – ولا أدري إن كان أحد من الحضور والمشاركين يعرف تفاصيل اكثر عنه  - سوى أن اسمه الأول الذي يكتب به هو محمد ، وهذا يوهم بأنه مسلم أما اسمه الثاني "هاكوهين" فهو واضح أنه من الأسماء اليهودية التاريخية والتي لا تزال تستعمل في عصرنا الحاضر،  فهو يعود لإحدى الشخصيات التاريخية التي عاشت في القرن الأول قبل الميلاد ويتطابق في زماننا مع اسم أحد قادة الحركات الباطنية اليهودية التي اندثرت في التاريخ وأعاد احياءها في العصر الحديث شخص يحمل اسما عربيا وهو يعقوب بن يوسف، واسما عبريا وهو "تسيفي هاكوهين"، ونجد الاسم أيضا في عدد من أسماء العائلات اليهودية العربية، و مقالات محمد هاكوهين تدل على أنه يتبنى الفكر اليهودي الصهيوني وهو ما يظهر من احدى مقالاته حيث يقول عن اليهود " وها هو الوعد الأخير يتحقق منذ القرن الماضي و يأتي اليهود ليتجمعوا في دولة آبائهم و يعلون إيمانيا و اجتماعيا و اقتصاديا و علميا و عسكريا و زراعيا  في شتى أنحاء الحياة والإيمان و الروح.

ولا يزالون يعلون حتى يتحقق وعد الله و يقودون الأمم بالعدل والرحمة و الحرية".

فنجد هذا الكاتب اليهودي ينشر مقالا عن هذا الموضوع جاء فيه" شهر رمضان هو شهر قمري يتوافق دائما مع بداية فصل الخريف ولكن انحراف التقويم في السنة الهجرية جعل شهر رمضان يأتي ظلما في كل فصول السنة.

الى أن يقول: بحسب التقويم القمري الذي كان معمولا به طوال حياة الرسول، كان شهر رمضان يأتي دائما في فصل الخريف الذي يتميز بحرارته المعتدلة ويتساوى فيه طول الليل والنهار، بما يقابل بالتقويم الشمسي شهري أيلول سبتمبر، وتشرين الأول أكتوبر، وبما يتوافق مع شهر "تشريه" في العبري، الذي يقع فيه يوم الغفران "يوم كيبور" أهم أيام الصيام في الديانة اليهودية، فنجد أن هذا الكاتب يطلق نظريته بأن التقويم الهجري هو مطابق تماما للتقويم الغريغوري لناحية الأشهر، ومطابق للتقويم اليهودي ، ويلتقي مع ما قاله نيازي، ويعطي حكما قاطعا بانحراف شهر رمضان عن موقعه ويحكم بأن هذا ظلم!!.

النموذج الرابع: نجده في الكاتب الروائي المصري المعاصر الدكتور يوسف زيدان ، الذي أثار هذا الموضوع في العام 2016 من خلال برنامج تلفزيوني قال فيه أن : "هناك شهر هجري تم حذفه من تلك الشهور المتعارف عليها تسبَّب في فوضى كبيرة في التقويم الهجري"، واعتبر أن الشهر المحذوف كان يعد رمّانة الميزان للتقويم الهجري وكان مما قاله: أن شهر ربيع الأول من المفترض أن يأتي في عز الربيع، ومع ذلك نتفاجأ بمجيئه في الصيف، وكذلك شهر رمضان من المفترض أن يأتي بعد انتهاء موسم الصيف، ولكن في هذه الأيام يأتي في وسط الصيف، مؤكدا أن التاريخ الهجري أصيب بحالة خلل بعد حذف الشهر، ولم يعد رمضان هو الشهر الحقيقي الذي نعرفه. وبالتالي فهو يرى أن "هذا الشهر كبيس ويأتي كل 30 شهرًا".

النموذج الخامس : ما طرحه في نفس هذه الفترة السيد فرقد القزويني من اختلال في التقويم الهجري، واعتبر ان هناك 43 سنة حذفت من التاريخ ومجموعة من الآراء حول عدد من القضايا التاريخية وحتى العقائدية ترتكز على  الاستحسانات التي توسع فيها

النموذج السادس: والأخير الذي نذكره كنموذج من هؤلاء المتأخرين  قبل أن ندخل الى صلب البحث هو طبيب سوري كردي أميركي وهو الدكتور عماد بوظو وفي سيرته أنه يكتب في منتدى "فكرة" التابع لمعهد واشنطن الذي يتم التعريف عنه بأنه – أي المعهد -  يسعى لتعزيز فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ودعم السياسات التي تضمن سلامته " فنلاحظ أن هذا الدكتور الذي له مقالات سياسية كثيرة لا تعنينا في الموضوع،  نراه يركز في كثير من مقالاته على التشكيك بصحة التشريعات والاحكام الإسلامية فينفي في أحد مقالاته مثلا تحريم الخمر في الاسلام ويقول معلقا:  "موضوع الخمر يقدم مثالا حول كيفية قيام رجال الدين بتغيير القرآن واللغة العربية لتتماشى مع أحاديثهم وتفسيراتهم ورؤيتهم الخاصة للدين والشريعة"، وينفي في مقال آخر وجوب الصوم ويعتبره أمرا اختياريا.

ويتوسع في مقاله الذي نشر في موقع قناة الحرة الاخبارية الأميركية فيتحدث عن أضرار الصوم وغير ذلك من التفاصيل والأمور التي تدلل على منهجية وغاية يسعى اليها الكاتب، وهي في واقع الحال مما لا تستحق أن يقف عنده الباحث بالنقد والمناقشة نظرا لتهافتها وخروجها عن أي ميزان علمي قبل ان يكون شرعيا.

فيتلمس القارئ في مقالاته حالة عدائية غير مبررة، إذ يقول مثلا: نجد ميلا دائما عند رجال الدين لتشديد الأحكام والمغالاة في العبادات والعقوبات عبر القرون، وصيام رمضان الذي جعلوه إلزاميا ولشهر كامل ليس سوى أحد الأمثلة على ذلك، بينما قامت الديانات الأخرى بالتخفيف من طقوسها بما فيها الصيام بما يتلاءم مع مصلحة الصائم وتطورات الحياة.

ويقول ايضا: يقدّم صيام شهر رمضان أحد أوضح الأمثلة حول كيفية قيام رجال الدين بفرض شكل للدين الإسلامي لا يتماشى مع القرآن ولا مع الإسلام أثناء حياة الرسول والخلفاء الأوائل.

هذا الكاتب الذي يطرح مثل هذه الأفكار والنظريات نجده يكرر في أحد مقالاته كثيرا من الفقرات التي ذكرها الكاتب اليهودي هاكوهين عن موضوع التقويم الهجري.

والسؤال الذي يطرح بعد هذا الاستعراض لنماذج من آراء من يدعو الى تصحيح التقويم و التي نجدها تشترك في منهجية التشكيك بالثوابت الدينية مع اختلاف مناشئها وافكارها بين من يوصف بأنه إسلامي، او راديكالي، أوصوفي، أويساري ، أويهودي، أوتشكيكي وإلحادي، وغير ذلك ، ألا يستوجب ذلك التدقيق أكثر بما يتم طرحه  ومناقشته مع خلفياته؟

  بعد لفت النظر الى ما مرّ بيانه، أود أن أناقش الموضوع من ثلاثة محاور: علمية، وتاريخية وشرعية لنكوّن فكرة متكاملة عن موضوع التقويم لأننا لو ناقشناها وفق بعض هذه المحاور لما وصلنا الى النتيجة السليمة كما سبق وأشرت الى ذلك،  ثم علينا أن نناقش طروحات أصحاب نظرية التصحيح بصورها المختلفة، فهل هي علمية فعلا؟ أم بعيدة عن ذلك؟ وأخيرا بيان خلاصة البحث.

المحور الأول: البحث عن حقيقة التقويم بالميزان العلمي.

الأسئلة التي تطرح في ذلك: ما هي حقيقة التقويم العلمية؟ وما علاقته بالزمن؟ وهل له وجود مادي خارجي؟ ام أن وجوده هو أمر اعتباري؟

وهل وجوده واحد؟ ام متعدد؟ وما هي ضوابط تحديده؟

و من الذي يمكنه إيجاد الاعتبار؟ وهل لهذا الوجود الاعتباري ارتباط بحقيقة مادية خارجية؟

لا بد لنا من ان نبحث عن كل تلك الإجابات لكي نستطيع تحديد الحقيقة العلمية للتقويم وبالتالي ما هي خلاصة الأجوبة لكل تلك التساؤلات؟

فما هي حقيقة التقويم العلمية ؟  

عند البحث عن كلمة التقويم في اللغة العربية فإننا نجد أن لها اشتقاقاتها اللغوية المعروفة والمتعددة والمستعملة في اكثر من معنى، فقد عُرّف التقويم لغةً بأنه: مصدر قوّم، و يأتي على معانٍ‌: أحدها: التعديل و الإصلاح، يقال: قوّم المعوّج، أي عدّله و أزال عوجه.

ثانيها: جعل القيمة للشيء، يقال: قوّمت المتاع، أي جعلت له قيمة معلومة.

ثالثها: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيّام.

و تقويم البلدان: تعيين مواقعها و بيان ظواهرها . واستعمله الفقهاء في نفس هذه المعاني.

وما يهمنا من معانيه هنا هو المعنى الثالث أي ما كان استعماله في اطار حساب الزمن.

والزمن لغةً : (بالتحريك) و الزمان: إسم لقليل الوقت و كثيره، و يجمع على أزمان و أزمنة و أزمن، وبالتالي فالتقويم بلحاظ حساب الزمن هو نظام عدّ لوحدات حسابية مختلفة خاضعة لموازين يحددها المعتبر والذي قد يكون فردا او جماعة،  فيتم اطلاق اسم معين على كل فترة من فترات الزمن ، ويتم تنظيمها وجدولتها لغايات وأغراض مختلفة، فقد تكون دينية، او اجتماعية، او اقتصادية، او غير ذلك وفق معايير مختلفة يلحظها واضعها.

ومن ضمن هذا النظام يأتي استخدامنا لتسمية الساعة واليوم والاسبوع والشهر والسنة والقرن، وهكذا صعودا ونزولا، تفصيلا واجمالا.

والنتيجة في ذلك انه  ليس للتقويم وجود مادي في الخارج، بل هو مجرد نظام حساب وأن وجوده هو امر اعتباري، وفق موازين يضعها الواضع والتي يمكن لها أن تتعدد وتتغير وتتبدل أو تبقى ثابتة لا تتغير، وفق ما يلحظه أو يقرره المعتبر. فيمكن لتقويم ان يتعرض للتعديل او التغيير او التبديل وبالتالي ينتج عن ذلك تقويم آخر، ويمكن ان نلحظ وجود تقويم بصورة ثابتة دون ان تكون هناك قابلية للتغير او التبديل في قواعده وأسسه وفي نتائجه.

والمراد من الأمور الاعتبارية هي الأمور التي يعتبرها العقلاء في عالم الفرض والاعتبار، وليس لها وجود خارجي وإنما هي موجودة في ظرف الاعتبار.

وهنا نسأل: بما أن وجود التقويم هو أمر اعتباري، فهل له ارتباط بما له وجود خارجي؟ والجواب: نعم، هناك ارتباط لعدد كبير من التقاويم بموجودات مادية خارجية لها نظامها التكويني الخاص، وهذا الارتباط ناتج عن ملاحظتنا لنظامها التكويني وحركتها مما مكننا من أن نخترع نظاما حسابيا اعتباريا نطلق عليه تسمية التقويم الشمسي او القمري او الشمسي القمري وفق ما نلحظه من حركة هذه العناصر المادية الثلاث، الأرض والقمر والشمس.

فالأرض هي الكوكب الذي نعيش عليه وهو جزء من المنظومة الشمسية، ولها حركة متطابقة مع حركة الشمس، وكذلك القمر الذي يعتبر من أكبر الأقمار في المجموعة الشمسية.

وهذه الموجودات المادية الثلاث لها نظامها التكويني الخاص الذي نتعامل معه ببعدين:

أولا:  بعدٌ علمي:  يتطور باستمرار ويتغير بحسب الأبحاث والدراسات العلمية التي نصل اليها، ومهما وصل الانسان الى مراتب عالية من العلوم فهو بلحاظ العلم الكامل المطلق يبقى علمه قليلا وهو ما يقوله النص الديني في القرآن الكريم (وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).

وهو نفس ما أكده الدكتور العياري في بحثه عندما قال أن بعض ما اعتمد عليه في بحثه هو جديد لم يكن موجودا قبل سنوات، ويرى انه مع ما وصل اليه فمن الممكن ان يأتي آخرون في المستقبل ويضيفوا أمورا أخرى.

ثانيا: بعدٌ شرعي توضحه لنا بعض النصوص الدينية التي نؤمن بها كمسلمين، حيث نعتقد أن العلاقة بينهما هي علاقة تكاملية، وأقصد بالعلاقة التكاملية تلك العلاقة القائمة على مدلول القاعدة الأصولية في علم الفقه والتي تقول : ما حكم به العقل حكم به الشرع، وهذا ما نفهمه عندما نجد ان النصوص الدينية التي تخاطب العقل البشري تدعوه الى التفكر والتأمل وتحث الانسان على البحث والتعمق بالجانب العلمي، وتعتبر ذلك جزءا ًمن منظومة البعد الديني في حياة الانسان، الذي يرتكز على ثلاثة أبعاد، عقائدي، وعلمي، وعملي. 

وتنشأ لدينا من ذلك صورة منتزعة من هاذين البعدين ( العلمي والشرعي) لحركة هذه الكواكب وتكون هي المنطلق للأسس التي نبني عليها التقويم الاعتباري.

فنجد في البعد العلمي الدراسات التي تعطينا معلومات تفصيلية عن حركة هذه الكواكب، ونجد في البعد الديني كمسلمين بعض الآيات القرآنية تتحدث عن الجانب التكويني العلمي لهذه الكواكب وتربطه بالبعد العقائدي وهو إرادة الخالق حيث تقول: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ۝ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ۝ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس:37-40].

والملاحظ في هذه الآيات أنها تتحدث بصراحة عن أمرين:

الأول:  ما يدل على الترابط بين النظام الكوني الذي يحكم حركة الكواكب.

الثاني:  ما يدل على أن هذا النظام الكوني هو نتاج إرادة خالق يتصف بالقدرة والعلم.

وعلى هذا الأساس نرى أننا وبملاحظة حركة الأرض في دورانها حول نفسها قبالة الشمس فقد لاحظنا تكرارا لفترة زمنية أطلقنا عليها تسمية اليوم وتم تقسيم هذا اليوم بلحاظ ظهور الشمس وغيابها الى نهار وليل، وقسمنا دورة اليوم بلحاظ اعتباري صرف الى 24 ساعة، وبشكل أدق فإن هذه الدورة تبلغ 23 ساعة و56 دقيقة أي أقل من 24 ساعة بأربعة دقائق وهذا ما استوجب إضافة يوم للسنة الكبيسية كل أربع سنوات لضبط التاريخ الشمسي.

فالزمن كما مر في احد أجوبة الدكتور العياري هو خلق الله، والتقويم هو من ملاحظة الانسان واليوم هو وحدة قياس للزمن ترتبط بحركة الأرض مقابل الشمس، ولا علاقة للقمر بذلك.

وعند رصدنا لدوران الارض حول الشمس فقد لاحظنا أنها تحتاج الى فترة زمنية طويلة تعادل 365 يوما، فأطلقنا على تلك الفترة الزمنية اسم السنة الشمسية.

وعندما نلاحظ حركة القمر في دورته الكاملة حول الأرض فتارة نلحظ هذه الدورة في مقابل الشمس فنسمي هذه الفترة الزمنية التي تبلغ 29 يوما وكسر اليوم شهرا قمريا، وتارة نلحظ هذه الدورة بلحاظ دورانه حول الأرض مقابل النجوم البعيدة، فنسمي هذه الفترة التي تبلغ 27 يوما مع كسر اليوم بالشهر الفلكي وهو أقصر من الشهر القمري.

وعندما اعتمدنا تسلسلا اعتباريا لعدد الشهور القمرية بلغ 12 شهرا، فقد أطلقنا على تلك الفترة الزمنية التي تبلغ 354 يوما مع كسر اليوم السنة القمرية، وهذا امر اعتباري صرف ليس له ارتباط بحركة كونية معينة كعدد أيام السنة الشمسية، فكان بالإمكان ان نعتمد سلسلة مختلفة ولا نلتزم بهذا الرقم كما يحصل في التقويم الصيني مثلا وغيره.

ولو بحثنا في عنوان الأسبوع فإننا لا نجد له أي ارتباط بأمر تكويني بل هو أمر اعتباري أيضا، فتحصّل لدينا أن وحدات قياس الزمن المتعددة التي نستخدمها في حياتنا تنقسم الى قسمين:

 القسم الأول: ما يرتكز في أسس اعتباره وحسابه على رصد لأمر تكويني يتعلق بحركة الأرض أو القمر أو الشمس، مثل الليل والنهار، واليوم، وساعات اليوم التي كانت تستخدم قديما عند العرب ، حيث كانت لها اسماؤها. وكذلك الشهر القمري، والسنة الشمسية. فهذه كلها نرتكز في اعتبارها على حركة كونية ، فدورة الأرض الكاملة مقابل الشمس اسميناها يوما، والنصف الاول لدورتها مع ظهور الشمس اسميناه نهارا، والنصف الثاني لدورتها مع غياب الشمس أسميناه ليلا. وموقعية الأرض مقابل الشمس في تلك الدورة اليومية لليوم اسميناها عند العرب القدماء بساعات تصف تلك الحالة.

ودورة القمر حول الأرض اسميناها شهرا، ودورة الأرض حول الشمس اسميناها سنة.

القسم الثاني: ما لا يرتكز في اعتباره على شيء مادي في حركته، بل هو مجرد امر اعتباري صرف، مثل ساعات اليوم التي نستخدمها في زماننا، حيث قسمنا اليوم الى 24 ساعة متساوية من دون أي لحاظ آخر، واعتمدنا عددا لأيام الأسبوع وهو سبعة ، واعتمدنا شهرا شمسيا هو نتاج قسمة أيام السنة الشمسة على 12 مع اختلافات اعتبارية في التفاصيل اعتمدتها التقاويم المختلفة.

والخلاصة العلمية في ذلك هي: أن التقويم هو عبارة عن وحدة حساب اعتبارية ليست لها حقيقة قائمة بذاتها،  محضة في بعض المفردات، واعتبارية مضافة الى مراقبتنا لحركة الأرض مع الشمس، أو مع القمر وفق جداول لها تسمياتها في حياتنا، من ساعة ويوم واسبوع وشهر وسنة. وهذه الحركة ليس لها علاقة بذاتية التقويم على الاطلاق.

المحور الثاني: البحث حول التقويم بميزان التاريخ.

 هنا تطرح مجموعة أسئلة، ولا بد لنا من الإجابة عليها.

أولا: هل التقويم واحد أم متعدد؟ ومتى بدأت التقاويم؟

والجواب: إن التقاويم المستخدمة بين شعوب الأرض المختلفة كثيرة جدا، وليست تقويما واحدا، و التقاويم التي لا تزال تستخدم في زماننا تعد بالعشرات. وهذا يرسم لنا مساراً مهماً في فهم حقيقة التقاويم والجانب الاعتباري فيها و من الصعب جدا الوصول الى جواب دقيق قطعي حول البعد التاريخي للتقاويم وبدايته ومراحل تطوره، فيوجد  مثلا تقويم اقترح في العام 1993 وأطلق عليه اسم التقويم الإنساني أو تقويم هولوسين ويتم بإضافة عشرة الاف سنة الى التقويم الميلادي المعتمد، ولكن يمكننا أن نستخلص بعض النتائج من خلال استعراضنا لنماذج من التقاويم التي ندرك من خلالها البداية القديمة لاعتماد التقويم عند البشر، وسأكتفي ببيان نماذج لعشرة تقاويم لا تزال تستعمل في زماننا.

فنحن الان مثلا في عام 6770 وفق التقويم البابلي الاشوري العراقي،

وفي العام 6262 وفق التقويم الفرعوني، وفي العام 5780 وفق التقويم العبراني،

وفي العام  4717  وفق التقويم الصيني، وفي العام 2970 وفق التقويم الامازيغي،

وفي العام 2020 وفق التقويم الميلادي الغريغوري المعتمد بكثرة في زماننا عالميا،

وفي العام 1441 وفق التقويم الهجري القمري المعتمد عند كافة المسلمين في أعمالهم الشرعية.

 وفي العام 1399 وفق التقويم الهجري الشمسي المعتمد رسميا لدى الإيرانيين وآخرين،

 وفي العام  177 وفق التقويم الديني الذي يعتمده البهائيون وهو السنة البهائية عندهم.

ونلاحظ من خلال هذا الاستعراض أن اختراع التقاويم هو أمر قديم ومتجدد عند الناس.

ثانيا: وما هي الأسس المعتمدة في انشاء التقاويم عند الشعوب المختلفة؟ وهل هي علمية؟

والجواب: تختلف الأسس المعتمدة في إنشاء تلك التقاويم واستخدامها باختلاف الخلفيات الذي انطلق منها مخترعوا تلك التقاويم التي لها عدة تصنيفات.

 فمن ناحية المنهجية نجد أن هناك عدة أسس لاعتماد التقاويم:

الأول: هناك تقاويم تعتمد في أساسها على رصد حركة الشمس كما سبق الحديث، وهذه لها خصوصياتها ومواصفاتها.

الثاني: ومنها ما يعتمد على حركة القمر، وهذه لها مواصفاتها وخصائصها أيضا،

الثالث: ومنها ما يحاول الدمج بين الاثنين في محاولة للجمع بين خصائص المنهجين،

الرابع: ومنها ما تكون له منهجيته الخاصة بعيدا عن كل ما سبق بيانه.

أما من ناحية النسبة فمنها ما تتم نسبته الى شعوب، ومنها ما تتم نسبته الى مناطق، ومنها ما تتم نسبته الى أحداث ، ومنها ما تتم نسبته الى اشخاص، ومنها ما تتم نسبته الى مذاهب واديان، وهكذا تتعدد التقاويم بتعدد اللحاظات التي ينطلق منها واضعوا تلك التقاويم، وتتعدد الأسس في ذلك، والتي يلجأ البعض الى تغييرها أو تبديلها وفقا لرغبات خاصة أو غايات يستهدفها من ذاك التغيير، أو رؤيا يتبناها. فنجد بعض التقاويم  لها نظامها الحسابي الخاص، كتقويم شعب الاغبو حيث تعتبر السنة عندهم 13 شهرا ، والشهر سبع أسابيع، والاسبوع أربعة أيام، مع إضافة يوم في آخر السنة، وبعضها يعتبر أشهر السنة عشرة كالتقويم الروماني الذي أسسه مؤسس مدينة روما Romulus سنة 753 م قبل ان يتم اضافة شهرين لهذا التقويم فيما بعد بواسطة يوليوس قيصر ليعتمد من ذاك الوقت في التقويم الميلادي اثنا عشر شهرا بدل العشرة، وبعضها يعتمد في حساب السنوات على دورة ستين سنة كالتقويم الهندي المستخدم منذ ما قبل الميلاد بألف سنة،  وبعضها يعتمد من تاريخ تولي ملك للحكم او ما أشبه ذلك هذا كله بلحاظ الجوانب الاعتبارية في التقاويم،

أما ما يكون منشأه منتزعا من ملاحظة أمور تكوينية ثابتة فليس قابلا للتبديل أوالتغيير.

ثالثا: هل من علاقة بين التقاويم وبين التاريخ والمستقبل؟ وهل من تطابق بينها ؟

والجواب: بعد أن اتضح لنا مما سبق أن التقويم هو وحدة حساب زمنية وهو أمر اعتباري منطلق من رصدنا للحركة التكوينية الكونية استنادا الى مراقبة حركتها، فإن للتقويم ارتباطا أساسيا مع التاريخ والمستقبل، وذلك أن في كتابة التاريخ تدوين لأشياء وأحداث حصلت في فترات زمنية تصرمت وانتهت، ولم يبق للدلالة على مدى قربها او بعدها من زماننا سوى التقويم الذي يعطينا صورة عن تلك الفترات الزمنية، ولذا فإننا نحتاج الى التقويم للإضاءة على بعض خصائص التاريخ التي نستذكر بعضها ونأخذ العبرة من البعض الاخر وهكذا.

واما من جهة المستقبل فالمستقبل أمر عدمي لا وجود له في واقعنا، ولكننا ننتظر أو نتوقع حصوله، وبالتالي نحتاج الى التاريخ لتكوين صورة عن الفترة الزمنية التي علينا ان ننتظرها أو نهيئها لكي تتحقق تلك الأمور المنتظرة او المحتملة، سواء كان ذلك في زماننا او في زمان الأجيال القادمة بعدنا، فنحتاج الى التقويم لضبط إيقاع المسار نحو المستقبل.

والنتيجة هي ان التقويم هو حاجة للتاريخ، وحاجة للمستقبل لكي يحصل التوازن في الحساب والتقدير مع الحاضر الذي نعيشه وبالتالي فهناك ارتباط وتلازم بينهما من جهة وانفكاك وانفصال بينهما من جهة أخرى.

رابعا: ما هو التقويم الهجري ؟

وجوابا نقول: إن التقويم الهجري ( مورد البحث ) هو تقويم إسلامي  قمري هلالي، يعتمده المسلمون لتحديد الفترات الزمنية المرتبطة بمجموعة من التكاليف والتشريعات الالهية ببعدها العبادي والمادي في عدد من مفردات الحياة الاجتماعية.

فمن الأمور العبادية هناك فريضة الصوم، وهي شهر قمري هلالي يتكرر مرة في السنة القمرية وهناك فريضة الحج التي تقع في أيام معدودات في السنة القمرية.

وهناك اعتبار معين لتحديد سن التكليف الشرعي للذكر، واعتبار كذلك للأنثى.

وهناك تحديد زمني للعدة الشرعية التي تلتزم فيها المرأة بأحكام خاصة عند الطلاق، واحكام عند وفاة زوجها. وهناك احكام تتعلق بترتيب الأثر الشرعي على الزوج الذي يفقد أثره ، وهناك آثار تتعلق بأحكام الحمل، وهناك أحكام تتعلق بحرمة اعمال معينة في الأشهر الحرم.

كل هذه العناوين وامثالها هي مورد التزام للمكلفين بأداء تلك الاعمال ضمن توقيت زمني خاضع للتقويم القمري الهلالي الشرعي.

وهنا أود ان أوضح مسألة مهمة، وهي أنه بعد ان اتضح مما سبق ان التقاويم هي وحدات حساب اعتبارية ضمن التفاصيل والحيثيات التي سبقت الإشارة اليها، فإنه وفق الشريعة الإسلامية هناك اعتبار لهذا الصنف من التقاويم، وهو يختلف عن التقويم القمري الفلكي، وغيره من أنواع التقاويم القمرية فضلا عن غيرها من التقاويم الشمسية. وذلك ان لدينا خمس أنواع من التقاويم القمرية ، وليس واحدا كما يتوهم البعض.

والتقاويم القمرية هي:

1-          التقويم القمري الفلكي الحسابي.

2-          التقويم القمري الفلكي  النجمي.

3-          التقويم القمري الوسطي.

4-          التقويم القمري الفلكي المبني على إمكانية رؤية الهلال وبه تصدر التقاويم.

5-          التقويم القمري الهلالي الشرعي (وهو المعتمد لدينا في الشريعة الإسلامية).

والفارق بينها ما يلي:

أولا: إن التقويم القمري الفلكي الحسابي يرتكز على الدورة الفلكية للقمر حول الأرض، ويبدأ الشهر فيه من لحظة خروج القمر من المحاق New moon  الى لحظة دخوله في المحاق بعد دورة كاملة له حول الارض. ومدة هذه الدورة 29 يوم و44 دقيقة و2،8 ثانية ، وهذا لا اختلاف في بدايته ونهايته من الناحية العلمية. ( وهذا لا يعتمده أحد من المسلمين على الاطلاق ولم يستخدمه سوى معمر القذافي الذي اعتمد تقويما خاصا به وقد توقف العمل به بعد مقتله)

ثانيا: إن التقويم القمري الفكري يرتكز على الدورة الفلكية للقمر مقابل الكواكب، وهذا الشهر اقصر من الأول اذ ان مدة دورته هي 27 يوما وثمان ساعات تقريبا.

ثالثا: إن التقويم القمري الوسطي هو تقويم يعتمده أتباع المذهب الإسماعيلي ويرتكز على قاعدة حسابية وهي ان الأشهر الاثنا عشر للسنة منها ما يكون 30 يوما بشكل دائم وهي الشهور الفردية في الترتيب، ومنها ما يكون 29 بشكل دائم، وهي الشهور الزوجية في الترتيب ، وبالتالي فشهر رمضان عندهم 30 يوما بشكل دائم لأنه فردي الرتبة وشهر شعبان 29 يوما بشكل دائم لأنه زوجي الرتبة ولهم حساب خاص في الكبيس.

رابعا: إن التقويم القمري الفلكي هو تقويم يعتمده الفلكيون المسلمون في اصدارهم للتقاويم ويرتكز على القواعد العلمية التي يتبناها كل عالم لناحية إمكانية رؤية الهلال، والاختلاف في هذه التقاويم بين علماء الفلك ناتج عن اختلافهم في القواعد المعتمدة عندهم للحكم بإمكانية رؤية الهلال، وفي النتيجة فقد تتطابق هذه التقاويم الواقع وقد تختلف عنه.

خامسا: تقويم الشهر القمري الهلالي الشرعي وهو المعتمد لدينا في الشريعة الإسلامية، والذي يبدأ من لحظة ظهور الضوء في طرف القمر نحو الأرض ويكون بصورة هلال، فيقال هلَّ الهلال. فيبدأ من تلك اللحظة الشهر القمري الهلالي والذي قد يكتمل فيكون 30 يوما، أو يمكن أن يرى مجددا في ليلة 29 فينقص ويكون الشهر 29 يوما وهكذا ..( وهذا هو المعول عليه عند جميع المسلمين في العالم، رغم اختلافهم في ترتيب الأثر من الناحية الشرعية على نقطتين هما: النقطة الأولى: اشتراط ان تكون الرؤيا بالعين المجردة عند جماعة، والاكتفاء برؤيته حتى عبر المناظير عند جماعة أخرى،

النقطة الثانية: في ترتيب الأثر الشرعي على رؤيته في كل الكرة الأرضية في حال ثبوت رؤيته في مكان كما هو رأي جماعة من العلماء، وترتيب الأثر على دائرة جغرافية خاصة ويكون مثله كمثل أوقات الصلاة عند جماعة أخرى ، والكلام في هذا متروك للأبحاث الفقهية الخاصة) .

المحور الثالث: البحث بالميزان الشرعي.

ما معنى الميزان الشرعي؟ وبالتالي ما هي موقعية التقويم في الشريعة؟

وهل  أن أسس التقويم خاضع للاجتهاد؟ وبالتالي لإمكانية التغيير والتبديل؟ وهل هو فعلا بحاجة الى التبديل والتصحيح كما قال الباحث وغيره؟ أم أنه تقويم ثابت لا يتغير؟

ولبيان ذلك نقول:

أولا: لماذا البحث الشرعي؟

سبق وأشرت في البداية الى أن البحث حول التقويم سيكون من ثلاثة محاور، من الجانب العلمي، والجانب التاريخي، والجانب الشرعي قبل ان نناقش أصحاب نظرية التصحيح.

وما نقصده بالميزان الشرعي هو المنطلقات العقائدية التي يؤمن بها أتباع الديانات السماوية الذين يعتقدون بوجود خالق لهذا الكون، ولم يتخل عن رعاية وتسيير شؤون هذا الكون،  مقابل أتباع نظرية التفسير المادي البحت لوجود هذا الكون من الذين ينفون وجود خالق ومنظم لهذا الكون، أو من ( اللا أدريين ) أو ممن يقرون بوجود خالق خلق الكون واستراح. وبالتالي فقد أدخلنا الميزان الشرعي بلحاظ أن موضوع الحديث يتناول أمرا له أثره في الاحكام الشرعية التي يلتزم بها المسلمون فيما يتعلق بالتوقيت الزمني لعدد من عباداتهم وأحكام معاملاتهم. ومن هنا كان لزاما علينا أن ندخل هذا الميزان في بحثنا، لأننا لو أخرجناه من دائرة البحث لانتفى موضوع البحث أساسا وصار علميا بحتاً ويدخل حينئذ بما سبق وتحدثنا عنه من كون التقويم امرا اعتباريا وليست له حقيقة مادية وبالتالي فيمكن بذاك اللحاظ طرح كل الأفكار المتعلقة به، وهذا ليس بالأمر الجديد فالتاريخ مليء بأنواع التقاويم كما اسلفت.

وعندما نبحث عن معنى الميزان الشرعي الذي نقصده فنقول انه مستمد من آية قرآنية يشمل مضمونها أتباع الديانات السماوية قاطبة وهي قوله تعالى : «شَرَعَ‌ لَكُمْ‌ مِنَ‌ الدِّينِ‌ مٰا وَصّٰى بِهِ‌ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ‌ وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ‌ إِبْرٰاهِيمَ‌ وَ مُوسىٰ‌ وَ عِيسىٰ‌ أَنْ‌ أَقِيمُوا الدِّينَ‌ وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‌ » ،

وهذه الآية تدلل على أن هناك تشريعا الهيا سماويا يتضمن منظومة قوانين وأحكام يرتكز عليها إقامة الدين السماوي  الذي يضع مداميكه وفق الوصايا السماوية الأنبياء الخمسة وهم أنبياء أولي العزم وآخرهم خاتم الأنبياء محمد (ص) حيث يخاطبه الباري عز وجل «ثُمَّ‌ جَعَلْنٰاكَ‌ عَلىٰ‌ شَرِيعَةٍ‌ مِنَ‌ الْأَمْرِ» ، ولما بيناه نقول أننا بحاجة الى بحث شرعي حول خصوصية التقويم.

ثانيا: ماذا تعني الشريعة في اللغة؟ وماذا يعني الدين؟

«شَرَعَ»: في اللغة العربية فعل ماض، والمصدر شرع وشريعة، ولها عدة معاني في الاستعمال،

«شَرْع»: إذا استعملت في معانٍ‌ متعدّدة فتأتي بمعنىٰ‌ وضع الشيء وتقريره، وأحياناً تخرج من معناها المصدري وتأتي بمعنى (الطريق والنَّهْج) وقد وردت هذه الكلمة بمعنى الوضوح.

«شِرْعَة»: وردت في اللغة بمعنى الطريق المستقيم ويراد منها نوع خاصّ‌ من الطريق المستقيم. وعلى هذا الأساس ورد التعبير في القرآن الكريم عن الطرق والمذاهب المختلفة التي تشترك فيما بينها ببعض العقائد والأصول والقوانين ب‍ «شِرعة».

وقد وردت هذه المفردة في استعمالات العرف (وعبارات من قبيل: «الشرع المقدّس») بمعنى «ما شرعه اللّٰه» أي ما وضعه وقرره اللّٰه تعالى أو بيّنه للناس من العقائد والأخلاق والأحكام. كما يقول تعالى في الكتاب الكريم: لِكُلٍّ‌ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ‌ شِرْعَةً‌ وَ مِنْهٰاجا.

فهي تطلق بمعناها العام على مجموعة القضايا والمسائل الدينية من العقائد والأخلاق والأحكام أيضاً، وأما ما يراد من هذه الكلمة في اصطلاح الفقهاء أو في الكتب الفقهية أو في عناوين مواضيعهم مثل «شرائع الأحكام» فهو خصوص الأحكام الفرعية العملية، التي جعلها الله تعالى ولم يأذن بإدخال تشريعات في الدين من غير مصدرها كما بين ذلك مستنكرا  أَمْ‌ لَهُمْ‌ شُرَكٰاءُ‌ شَرَعُوا لَهُمْ‌ مِنَ‌ الدِّينِ‌ مٰا لَمْ‌ يَأْذَنْ‌ بِهِ‌ اللّٰه، فالشريعة المنهي عن اتباعها من غير مصدرها ما كانت متعلقة بموضوع الدين.

اما معنى الدين فانّ‌ مفردة «دين» وردت في اللغة، في الأصل بمعنى الطاعة والانقياد والخضوع للأوامر والمقرّرات المعيّنة ، وكذلك وردت بمعنى الجزاء والثواب.

وأمّا في اصطلاح القرآن وفي مفهوم المتشرّعة وعرف العقلاء أيضاً، فإنّ‌ المراد من «الدين» عبارة عن منظومة قضايا دينية أعمّ‌ من العقائد والأخلاق والأحكام، ومن هذا القبيل قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ‌ رَسُولَهُ‌ بِالْهُدىٰ‌ وَ دِينِ‌ الْحَقِّ‌».

وما نراه في الاستعمالات السائدة بين المتشرّعة والعرف والعقلاء هو من هذا القبيل، كقولهم (دين الإسلام) أو (دين اليهود) أو (دين النصارى) ويجمع الاثنين الأخيرين ما اطلق عليه القرآن الكريم تسمية ( أهل الكتاب ) - فخاطبهم وقصد القسمين تارة، وخاطبهم بهذا اللفظ وقصد قسما منهم كقوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ)   

أو كما يحلو للبعض ان يميز نفسه فيقول ( دين الموحدين) ويقصد به الدروز، ولا يرتضون نسبتهم الى الإسلام، ويقول آخرون ( دين المسيحيين) ولا يرتضون نسبتهم الى النصارى وهكذا.. .

وبالطبع فإنّ‌ هذا المعنى يرتبط كذلك بالمعنى اللغوي أيضاً وهو (الطاعة والخضوع) لأنّ‌ قبول مجموعة العقائد والأخلاق والأحكام الدينية يفضي بدوره إلى تجسيد هذه المفاهيم على مستوى العمل والطاعة والانقياد في مقابل أوامر الشارع المقدّسة.

ثالثا: ما هي موقعية التقويم في الشريعة الإسلامية؟.

نأتي هنا الى موقعية التقويم في الشريعة، فنقول بعد ان اتضح لنا ان التقويم هو أمر اعتباري، وبما أن الشريعة هي عبارة عن مجموعة قوانين وأحكام تتناول مجمل شؤون الحياة ولبعضها ارتباط بدائرة الزمن وبالتالي فقد صار لزاما تحديد نمط من أنماط التقويم ليكون مقياسا ومرجعا معتبرا في تحديد تلك الاحكام.

فمثلا نجد ان الشريعة الإسلامية قد فرضت على المكلفين تكاليف ترتبط بالأوقات.

فبلحاظ ساعات اليوم  نجد أن أوقات الصلوات اليومية مرتبطة بساعات اليوم وفق المعنى الذي كان سائدا عند العرب قديما في تحديد الساعات وتسميتها وفقا لمعانيها ، وليس وفق تقويم يونكس المعتمد في زماننا في حساب الثواني منذ العام 1970 الذي يلحظ القسمة الدقيقة للزمن الى ساعات ودقائق وثوان.

فمثلا حددت الشريعة الفجر موعدا لصلاة الصبح، ففي كل مكان يطلع فيه الفجر يحين وقت صلاة الصبح فيه والذي يبدأ من تلك الساعة، وينتهي مع بدء ساعة الشروق، و حددت موعدا لصلاة الظهر مع بدء ساعة الزوال في منتصف النهار، وكذلك موعدا لصلاة العصر وينتهي مع بدء ساعة غروب الشمس، حيث يبدأ وقت صلاة المغرب، ثم وقتا لصلاة العشاء، وهكذا.

فأوقات هذه الساعات العبادية مرتبطة بحركة الأرض في دورانها مقابل الشمس، وهي ليست ساعات ثابتة كما في تقويمنا الحالي كما اسلفت،  بل هي ساعات متغيرة، وهي بالتالي تخضع للتغيرات والتبدلات تبعا للمناطق وللفصول، ولذا فقد احتجنا من الناحية الشرعية الى استنباط جداول متحركة لأوقات الصلاة ينجزها الفلكيون الإسلاميون وفق المباني الشرعية التي يتبنونها ويتم من خلالها  تحديد أوقات هذه الصلوات لكل منطقة من المناطق ولكل يوم من أيام السنة، دون ان يكون لدينا توقيت يومي ثابت في ذلك.

وبلحاظ حساب أيام الأسبوع نجد تكاليفا خاصة تتعلق بيوم الجمعة، ويوم الجمعة هو احد أيام الأسبوع الذي له وجود اعتباري محض، فليس لأيام الاسبوع ارتباط بحركة الأرض او الشمس او القمر بل هو امر اعتباري سارت عليه البشرية منذ القدم باختراع ما اسمته أيام الأسبوع الذي تتبدل، ( والتي لها بحث في منشئها لسنا في صدد الحديث عنه الان إذ نجد بعض الشعوب تعتمد في تقاويمها على أسبوع من أربعة أيام، وشهر من سبعة أسابيع كما مرت الاشارة) ولذا نجد عدم تطابق بين بداية أيام الأسبوع مثلا وبداية أيام الشهور او أيام السنة.

وذلك لأن لكل واحدة منها ميزانها الاعتباري الخاص، فأيام الأسبوع، نحسبها بلحاظ تسلسل العدد من واحد الى سبعة، بينما بداية الشهور لها اعتباران، فالشهر القمري نحسبه بملاحظة الهلال، وهذه تتبدل كل شهر وكذلك الأشهر الشمسية الاعتبارية، وهكذا بداية كل سنة، فأيام بداية السنة تتبدل أيضا فقد تكون يوم احد او اثنين او ثلاثاء وهكذا عدا ما يمكن ان يطرأ من تعديل مقصود كما في تقويم اليهود إذ يمنعون ان يكون رأس السنة في أيام معينة.

واذا انتقلنا الى حساب الأشهر، فنجد هناك تكاليفا ترتبط بذلك منها مثلا:

تحريم القتال في الأشهر الحرم، وهي أربعة أشهر من اصل 12 شهر هي اشهر السنة.

ونجد تكليفا بصيام شهر كامل هو شهر رمضان.

ونجد تكليفا بأداء مناسك معينة هي مناسك الحج في أيام معدودات في شهر ذي الحجة.

وهناك احتساب لأشهر عددية تتعلق بعدة الطلاق او عدة الوفاة،

واذا انتقلنا الى حساب السنوات: فنجد أن هناك سنوات شرعية تتعلق بتحديد سن التكليف الشرعي للذكر وكذلك للانثى. وهناك اعتبار سنوي يتعلق بتحديد رأس السنة الخمسية، وبحلول الحول حول ما يتعلق بالزكاة، وهكذا.

اذن التقويم الزمني له مدخلية في الاحكام والتكاليف الشرعية وبالتالي فإن هذا لا يمكن ان يكون خاضعا لرغبات الافراد التي لا يمكن ان تلتقي جميعا على رغبة واحدة، بل يكون الافراد خاضعون لرغبة واضع التشريع الذي يتبعونه.

وضمن اعتقادنا فإن واضع التشريع يجسد الحق في حياة البشر، فهو الحق المطلق، ويدعو الى اتباع الحق، والحق كسلوك لا يمكن ان يكون تبعا للأهواء والرغبات، ولذا نجد النص القرآني يقول بصريح العبارة: وَ لَوِ اتَّبَعَ‌ الْحَقُّ‌ أَهْوٰاءَهُمْ‌ لَفَسَدَتِ‌ السَّمٰاوٰاتُ‌ وَ الْأَرْضُ‌ وَ مَنْ‌ فِيهِنَّ‌ .

فالنتيجة انه عندما يتم اعتماد تقويم مهما كان شكله ولونه واسلوبه، فإنه يبقى خاضعا لرغبة من وضعه واعتمده، ولا يمكن تغييره او تعديله مع بقاء النسبة اليه، لأنه يكون تدخلا في عمل من غير ذي صفة ومن غير أهلية أو استحقاق ( كما في المصطلح القانوني) ،

أما اذا رغب احد ما بتعديله او تغييره فله الحق في ذلك ولكنه يكون حينئذ من مصاديق من يخترع تقويما ،أو يحدث تعديلا ينسب اليه مع صلاحيته لذلك، ولا يحق له ان يبقي التقويم الأساسي  على نفس النسبة التي كان عليها.

وهذا ما نجده مثلا في استعمالنا الشائع في زماننا لما نسميه بالتقويم الميلادي، فهو في واقع الحال ليس التقويم الذي اعتمده المؤرخون في التاريخ منذ سنة ولادة السيد المسيح الى زماننا الذي وصل اليوم الى رقم 2020 بعد الميلاد،  بل هو نسخة جديدة معدلة عن تقاويم سابقة تختلف في النتائج فيما بينها، فمنها ما لا يزال معتمدا  ولم يقبل التغيير ،ومنها ما اندثر  وتوقف استعماله وبقيت آثاره. والمعروف أنه قد ابتدأ استخدام هذا التقويم بصورته الحالية منذ العام  1582 أي منذ ان اعتمده البابا غريغوريوس الثالث عشر رغم معارضة بعض الطوائف المسيحية له، فصار يطلق عليه التقويم الميلادي الغريغوري، وهو في أساسه تعديل لقاعدة حسابية كان يعتمدها التقويم الميلادي الاول وهو اليولياني المنسوب الى الامبراطور يوليوس قيصر، الذي اعتمد قاعدته الحسابية منذ سنة 45 قبل الميلاد، وهذا التعديل الذي اعتمد في عهد البابا  قَبِلَه اناس و رفضه آخرون واستمروا في مواعيدهم الدينية على التقويم السابق باعتبار أن التقويم الجديد بعد التغيير يغير بعض ما يرتبط بالمواعيد الدينية عندهم كما حصل في الكنيسية الارثوذكسية، فصار لدى الطوائف المسيحية عيدان للميلاد، ويومان للجمعة العظيمة وهكذا بقية المناسبات الدينية، والتفاوت بين التقويمين يزداد بمرور الزمن.

اذن فالتقاويم قابلة للاختراع، وقابلة للتغيير والتبديل ولكن ليس بنحو مطلق، لأن التبديل فيها او التغيير يجعلها بمرتبة التقاويم الجديدة المخترعة.

فالنتيجة هي أن هناك ما يمكن تبديله وهناك ما لا يمكن تبديله. فماذا عن تقويمنا الهجري؟

رابعا: هل يمكننا تعديل او تغيير التقويم الهجري؟

عندما نستعمل مصطلح التقويم الهجري فإن هذا ينصرف الى نموذجين مستخدمين في زماننا، أولهما التقويم الهجري المعتمد بين المسلمين منذ ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحوالي خمس سنوات، وهو التقويم الهجري القمري ونحن الان في سنة 1441منه.

ثانيهما: التقويم الهجري الشمسي والذي اخترعه عالم الرياضيات المشهور عمر الخيام، الذي ولد منذ ما يقرب من الف سنة في  مدينة نيشابور في بلاد فارس، ويعتمد في حسابه على حركة الأبراج الفلكية التي تمر بها الشمس في دورتها السنوية الكاملة.

 ويستخدم هذا التقويم بنسختين احداهما إيرانية وتبدأ فيه السنة مع بداية فصل الربيع، والثانية سعودية وتبدأ فيه السنة مع بداية فصل الخريف من نفس السنة.

وتستخدم النسخة الأولى كتقويم رسمي  في ايران وأفغانستان ويستخدمه الاكراد أيضا كتقويم ثان لهم، بينما يعتمد تقويم ام القرى في السعودية على النسخة الثانية.

وكلاهما يعودان في ترقيم السنين الى السنة الأولى التي حصلت فيها هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، و هذا التقويم الهجري الشمسي قد بدأ استخدامه متأخرا عن التقويم الهجري القمري بما يقرب من 400 سنة.

ومقارنةً بين التقويم الشمسي الغريغوري الذي يعتمد في معظم بلدان العالم حاليا، وبين التقويم الشمسي الهجري فإن الباحثين والمختصين يرون ان التقويم الهجري الشمسي هو أدق بكثير من التقويم الميلادي الغريغوري، بحيث أن نسبة الخطأ في الهجري هي 3،8 مليون سنة بالنسبة لليوم الواحد بينما هي في التقويم الغريغوري تبلغ 3300 سنة.

هاذان هما التقويمان الهجريان المعتمدان في زماننا، فأي التقويمين هو المقصود بنظرية التصحيح؟

لا شك في أن المقصود بهذه النظرية هو النموذج الاول وهو التقويم الهجري القمري، وليس التقويم الهجري الشمسي، وبالتالي فينظر الى التقويم الهجري الشمسي على أنه تقويم مخترع بين الناس للاعتماد عليه في تنظيم أمور حياتهم بما ينسجم مع حركة الفصول وليس له تأثير على الأزمنة المرتبطة بالتكاليف التي حددتها الشريعة، فالناس من هذه الناحية أحرار فيما هم فيه، واعتمادهم في الترقيم على تاريخ هجرة الرسول لا يعطيه صفة شرعنة التكاليف على طبقه، بل يظهر عبر الزمن الفارق الكوني بين مسار السنوات الشمسية والسنوات القمرية، وهو الفارق بين سنة 1441 وفق التقويم الهجري القمري وسنة 1399 وفق التقويم الهجري الشمسي، وهذا الفارق في السنوات هو المدة الزمنية المتراكمة نتيجة الفرق بين السنة الشمسية التي تعني دورة كاملة للشمس والسنة القمرية التي تعني مجموع دوران القمر لاثني عشر مرة.

فالسؤال الذي يطرح هنا: هل يمكننا تبديل او تغيير او تعديل التقويم الهجري القمري؟ 

وهل هو فعلا بحاجة الى تصحيح كي نقوم بذلك كما يطرح الباحث وآخرون؟

الجواب: نقول في ذلك..

بعد ان اتضح لنا ان من يضع التقويم او يعتمد تقويما قائما فإنه يلحظ فيه خصوصية معينة، ومع وجود هذه الخصوصية وبقائها فلا يمكن ان يغير او يبدل، نعم إذا تغيرت تلك الخصوصية فيمكن ان يغير في ذلك.. هذا لناحية أصل فكرة التبديل او التعديل.

اما مقولة التصحيح، فهي فرع ثبوت الخطأ، إذ لا يمكن قبول الادعاء بوجود خطأ بدون اثبات، ولإثبات ذلك فلا بد من القطع واليقين.

أما الكلام عن التغيير بدافع التصحيح دون وجود دليل يفيد القطع واليقين بوجود الخطأ فهو كلام لا معنى له، ويكون في تلك الحال نوعا من الهراء لا قيمة له بكل الموازين، العلمية أو التاريخية أو الشرعية.

فمن الناحية العلمية أو التاريخية لا بد من تقديم دليل قطعي يرتكز عليه لإثبات الخطأ.

ومن الناحية الشرعية لا بد من دليل معتبر يتوافق مع القواعد التي ارتكز اليها المشرع  لكي يتم القبول بتلك النتيجة، والا يكون ذلك اتباعا للهوى بغير علم.

وأين كل ذلك في موضوع الأشهر القمرية التي تتم الدعوة الى تصحيح منهجيتها؟

فالتقويم القمري الهجري المعتمد لدى المسلمين ليس خاضعا لمزاج الافراد في تغييره وتبديله لأنه مرتبط بتشريعات الهية يتعين علينا كمسلمين الالتزام بها، وليس لنا الحق في الخروج عنها إن كنا نود الالتزام بالتشريعات الإلهية. أَمْ‌ لَهُمْ‌ شُرَكٰاءُ‌ شَرَعُوا لَهُمْ‌ مِنَ‌ الدِّينِ‌ مٰا لَمْ‌ يَأْذَنْ‌ بِهِ‌ اللّٰه ..

وأما الادعاء بأنه بحاجة تصحيح فهو فرع ثبوت الخطأ، والقول بالخطأ فرع اثبات وجوده، وإثبات وجوده فرع اثبات مخالفته للقواعد والاسس الذي ارتكز اليها في انشائه، ودون ذلك يكون الكلام فارغا، لأنه في غير موقعه.

وبالتالي فإننا نستطيع القول بأن التقويم القمري الهجري المعتمد في زماننا هو تقويم ثابت نظرا لرغبة وإرادة من اعتمده وأطّر له الأسس والقواعد عندما اعتمد عددا معيناً للشهور في كل سنة، واعتمد نمطا معينا من الشهور فقال عز وجل .. إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏... الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج‏ الخ.. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَج‏.

الاثبات القطعي لهذه النتيجة يأتي بعد مناقشتنا لطروحات أصحاب نظرية تصحيح التقويم،

 هل منطلقاتهم تامة وفق الموازين والضوابط والحقائق السابقة التي تحدثنا عنها العلمية والتاريخية والشرعية؟  وما الأجوبة عليها ؟ هل أصابوا أم اخطأوا؟

هذا ما سنتناوله في القسم الثاني من هذا البحث ان شاء الله.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/16   ||   التصفحات : 5928



كتابة تعليق لموضوع : هل يحتاج التقويم الإسلامي الهجري الى تصحيح؟ القسم الاول
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

كتاباتي : الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي ©  www.kitabati.net     ||    البريد الإلكتروني : mostapha@masrilb.net    ||    تصميم ، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net