الحلقة الخامسة
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، أزكى الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوبنا محمد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى الرسل والأنبياء أجمعين.
يا أسوة الأحرار، يا أبا عبد الله، عجزت اللغة عن الوصول إليك، وتحيرت الكلمات في رحابك، وتاهت الحروف عند شاطئك. فسلام عليك وأنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، إذ مضيت تجوب آفاق السماء وأقطار الأرض، راية السماء نقية كالضياء، بيد أنها ستبقى مخضبة بالدماء، تهتف: أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟
السلام عليكم أحبتي المشاهدين، نرحب بكم أجمل ترحيب في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". قد بدأنا في هذا البرنامج بالخطى الشرعية والعقائدية، وصولاً إلى هذه الحلقة عن الخطى الأخلاقية. نستضيف في هذا اليوم فضيلة الشيخ الأستاذ مصطفى مصري العاملي، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ، وعظم الله لكم الأجر.
فضيلة الشيخ:
عظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الأليم، وأهلاً وسهلاً بكم.
المذيع:
أحبتي المشاهدين، سنبدأ الحوار بعد وقفة قصيرة.
المذيع:
مرحباً بكم أعزائي المشاهدين، السادة والسيدات، وشكراً على متابعتكم هذا البرنامج "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". في هذه الحلقة عن الخطى الأخلاقية في سيرة الإمام الحسين عليه السلام. في بدء هذا الحوار، سماحة الشيخ، يا حبذا لو نشير إلى هذه المسألة الأساسية والمهمة: قوة الحركة التبليغية ودعوة النبي صلوات الله وسلامه عليه، حيث إنه كان يعتمد على الأخلاق كاستراتيجية واضحة. ومن هذا المنطلق "حسين مني وأنا من حسين"، نلاحظ رقي السقف الأخلاقي في كربلاء الذي انعكس من خلال الجوانب الأخلاقية والآداب التي كان يسلكها سيدنا ومولانا أبو عبد الله الحسين عليه السلام.
فضيلة الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه سيدنا ونبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. سلام عليكم مشاهدينا الكرام، وعظم الله أجورنا وأجوركم، وسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله وبركاته.
في واقع الحال، ما أشرت إليه في مقدمتك يفتح لنا مجموعة من النوافذ، التي لو ولجنا في كل نافذة منها لأخذتنا نحو عدد من الحلقات التي لا تنتهي، لما لها من تشعبات وخصوصيات وارتباط وثيق بالنهضة الحسينية الكبرى التي جسدها الإمام الحسين عليه السلام.
ولكن بدايةً، دعنا نتوقف أمام قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}. نجد أن هذا الوصف هو من أعظم الصفات التي وُصف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتاب الكريم. ثانياً، ننطلق منها إلى الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". من هذا المنطلق نطرح سؤالاً: ما علاقة الأخلاق بالدين؟ هل الأخلاق والدين شيء واحد، أم أنه يمكن أن تكون لدينا أخلاق بلا دين، ودين بلا أخلاق؟
الجواب، قبل أن ندخل في عمقه، أذهب إلى موضوع تحدث عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويرتبط بالبنية الاجتماعية، عندما قال في وصيته التي ترتبط بموضوع الزواج: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه". هذا الكلام يوصلنا إلى حقيقة أنه لو كانت الأخلاق هي كل الدين، والأخلاق والدين شيئاً واحداً، لما صح أن يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ترضون خلقه ودينه". إذاً، هناك صفتان متلازمتان.
بمعنى آخر، لو أردنا أن نتحدث بالمصطلح العلمي، نقول إن العلاقة بين الدين والأخلاق هي "عموم وخصوص من وجه"، أي أنه قد نجد ديناً ولكن تنقصه الأخلاق، وقد نجد أخلاقاً ينقصها الدين، وقد نجد النموذج الأكمل عندما يجتمع الدين مع الأخلاق. لذا، قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفهوم الأخلاق حتى على مفهوم الدين فقال: "ترضون خلقه ودينه".
وهنا ندخل إلى عمق العلاقة بين الدين والأخلاق. النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء برسالة ودعا الناس إلى الإيمان بالله تعالى. من الناحية العقائدية، هناك تفاوت بين عنوان الإسلام وعنوان الإيمان، فالإيمان مرتبة أعلى من الإسلام. كذلك من الناحية الاجتماعية، هناك دين وهناك أخلاق تأتي لتكمله.
عندما نقف عند "خلق عظيم"، نأخذ نموذجاً من خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يقول تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ}. كان النبي، لعلو خلقه، حين يخبره الوحي بما فعله بعض من حوله من المنافقين، ثم يأتونه وينكرون، كان لا يظهر لهم أنه لم يصدقهم، فيذهبون ويقولون: "جاءه أمر السماء بما قلنا وفعلنا، فقلنا له خلاف ذلك فصدقنا". فنزلت الآية تبين أن استماعه لهم كان خيراً لهم.
إذا أردنا أن ننظر إلى انعكاس هذا على شخصية الإمام الحسين عليه السلام، نتوقف عند قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين". هذا كلام واقعي وحقيقي، وليس إنشائياً عاطفياً. وهو مكون من فقرتين: عندما يقول "حسين مني" فدلالتها واضحة، فهو ابن ابنته. ولكن عندما يقول "وأنا من حسين"، كيف يكون الأصل من الفرع؟ ليس لها إلا معنى واحد: أنا كرسالة، كمشروع إلهي، كخاتم للأنبياء، استمرارية هذا النهج الذي أجسده تتحقق من خلال ما يقوم به الحسين عليه السلام. لهذا السبب، كان بقاء الرسالة السماوية ونقاؤها وطهرها متجسداً فيما رسمه الحسين عليه السلام.
فالجانب الأخلاقي هنا يتجسد في سلوكيات الإمام الحسين عليه السلام بأسمى صورة في جميع المحطات التي انطلق منها نحو كربلاء.
المذيع:
نتوقف هنا شيخنا العزيز، وبعد فاصل للحديث تتمة، فابقوا معنا.
[موسيقى]
[موسيقى]
المذيع:
نرحب بكم أحبتي المشاهدين السادة والسيدات، في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام"، وفي هذه الحلقة عن الخطى الأخلاقية. في هذا الحديث، تجلت الصورة البهية لخلق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، التي تجسدت في الإمام الحسين عليه السلام اكتمالاً لمسيرة الرسالة السماوية. وهنا فضيلة الشيخ، كيف يمكن أن نوظف هذه الأخلاق السامية في واقعنا الاجتماعي وحياتنا الحالية؟
فضيلة الشيخ:
لننظر بدايةً إلى كيفية تجسد تلك الأخلاق في سلوكيات الإمام الحسين عليه السلام، وهو يعكس أخلاقيات جده محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. كيف تجسدت في بعض محطات كربلاء، وكيف يحاول المؤمنون أن يجسدوا هذه النماذج في سلوكهم؟
فلو توقفنا عند ما فعله الحسين عليه السلام مع الحر بن يزيد الرياحي، من كونه سقاه الماء وسقى خيله وهو عدو، لا شك أن هذه الخطوة تركت أثراً في نفسية الحر انعكس سلوكاً عملياً بانقلابه إلى معسكر الحسين. وهذا الخلق هو الخلق المحمدي العلوي الحسني الحسيني الأصيل.
ونأتي إلى محطات أخرى. لك أن تنظر إلى الحسين عليه السلام قبل أن تبدأ المعركة وهو يقول لأصحابه: "القوم لا يريدون سواي، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً". فماذا تجد؟ سلوك أصحابه الذي تجسد بأبهى صورة، وذاك الذي يقول له: "لو قُتلت ألف مرة ثم نُشرت ما تركناك يا ابن رسول الله".
ثم يلتفت إلى نمط آخر من أصحابه، يأتي إلى "جون" ويقول له: "أنت لحقت بنا للعافية، أنت في حلٍّ، اذهب". فكيف تجد تفاعل جون؟ "يا ابن رسول الله، أفي الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ لا والله". وعندما يسقط جون على رمضاء كربلاء، يذهب الحسين عليه السلام بنفسه ويضع خده على خده. ابن رسول الله، سيد شباب أهل الجنة، يعبر بهذا السلوك عن مدى القرب لهذا الذي كان يُقال عنه إنه عبد حبشي.
المذيع:
عذراً، لو نقف هنا، ما السبب الأساسي والحكمة من وراء ذلك؟
فضيلة الشيخ:
هنا تتجسد العوامل الثلاثة: هناك جانب عقائدي يرسم نمط العلاقة بين المكلف وخالقه وإمامه. وهناك جانب عاطفي تتحول فيه الجنبة العقائدية إلى استعداد للتضحية. وتبرز أبهى صورها بذلك الجانب الأخلاقي السلوكي العملي. فهنا نجد حالة من التكامل بين هذه الأبعاد التي ترسم نمط العلاقة بين الحسين عليه السلام كقدوة، وبين الآخرين كمتبعين.
المذيع:
كيف نستوحي من هذه الدروس العظيمة من أخلاق سيد الشهداء في واقعنا المعاصر؟
فضيلة الشيخ:
هنا جانبان: جانب نراه يتحقق، وجانب علينا أن نلتفت إليه. الجانب الذي نراه متحققا هو ما يجسده الموالون في إحيائهم لذكرى سيد الشهداء، من خلال السلوك الأخلاقي المثالي في الخدمة والبذل والعطاء، حيث تتبدل الرغبة في الأخذ إلى الرغبة في العطاء. ونرى قصصاً مذهلة، كقصة الخصمين اللذين تصالحا وتنازل أحدهما عن حقه في سبيل أن يحظى بخدمة عدد أكبر من الزوار. هذه تجارة مع جبار السماوات والأرض.
والجانب الآخر الذي يجب أن نلتفت إليه، هو أن نستثمر هذه الحالة الأخلاقية التي تحيا في نفوسنا في أيام عاشوراء والأربعين، لتبقى حية في بقية أيام السنة. لو التفتنا إلى هذه الصور البهية في بقية أيامنا، لعشنا حالة مثالية. عندما نستمع للخطيب وهو يقول: "يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً"، نعم، نستطيع أن نكون مع الحسين عليه السلام من خلال القيم التي جسدها: الإيثار، الكرم، التضحية، الوفاء، والأخوة الحقيقية. إذا التفتنا إليها، نرتقي في سلوكنا العملي ونحيا هذه الذكرى في نفوسنا كما عاشها أولئك الذين بذلوا دماءهم رخيصة للحفاظ على المبدأ والقيم.
المذيع:
بارك الله فيكم سماحة الشيخ العاملي على هذا الكلام الشيق والنافع. وكذلك أحبتي المشاهدين، نشكركم على حسن الإصغاء والمتابعة في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". على أمل أن نلقاكم في حلقات قادمة ونتعلم دروس الحق والحقيقة في مدرسة الإمام الحسين عليه السلام. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!