حجم الخط:

على خطى الحسين عليه السلام ج4

على خطى الحسين عليه السلام ج4

الحلقة الرابعة

المذيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، أزكى الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوبنا محمد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى الرسل والأنبياء أجمعين.

سيدي يا أبا عبد الله، دمك المسفوك ظلماً فوق رمضاء الطف، قد أينع غابات عشق إلهي في صحراء القلوب، وواحات حزن نَضِر في دهاليز الضمير، فراح يزكو علواً في أرواح العاشقين. سيدي يا أبا الأحرار، من مثلك ضحى لله فناءً بكل ما يملك، ولم يتوقف في منهج رسالة السماء؟

أحبتي المشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرحب بكم أجمل ترحيب، وعظم الله أجرنا وأجركم بمصاب أهل بيت الرسالة، الإمام الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه. نستضيف اليوم فضيلة الشيخ الأستاذ والباحث الإسلامي مصطفى المصري العاملي، فأهلاً ومرحباً بكم وشكراً لقبول الدعوة.

فضيلة الشيخ:

أهلاً وسهلاً بكم، وعظم الله أجورنا وأجوركم بهذه الأيام الأليمة.

المذيع:

عظم الله أجوركم. أحبتي المشاهدين، بعد وقفة نبدأ الحديث.

المذيع:

مرحباً مجدداً أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، وشكراً لكم على متابعتكم لهذا البرنامج "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". في هذه الحلقة نتناول حديثنا عن الخطى الشرعية في مسيرة الإمام الحسين عليه السلام. فضيلة الشيخ، هناك ملامح وجوانب كما عبرنا عنها عقائدية، تكلمنا عنها. الآن نريد أن نخوض في الجانب الشرعي والفقهي كما نعبر عنه. وهناك كلمة قيمة في هذا الجانب لمولانا سيد الشهداء، الإمام الحسين عليه السلام، حيث يقول: "ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً. فإني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً". فما هي الجوانب الشرعية الفقهية التي يمكن أن ننطلق منها ونتزود بها في رحلة السير على خطى الإمام الحسين عليه السلام؟

فضيلة الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه سيدنا ونبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. سلام عليكم مشاهدينا الكرام، وسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله وبركاته.

عندما نريد أن ننظر إلى حركة الإمام الحسين عليه السلام، والتي تشمل كل الأبعاد التي يحتاجها الإنسان في حياته، من جانب عقائدي تحدثنا عن بعض جوانبه، إلى عناصر عاطفية ارتبطت بها لتجعل الإنسان متكاملاً مع هذا الحدث، ونتوقف عندما يُعبَّر عنه بالجوانب الشرعية أو التكاليف الشرعية.

عندما نقول "التكليف الشرعي"، ما هو؟ نحاول أن نفهم ما هو التكليف الشرعي. التكليف الشرعي، بعد أن سبق وقلنا إننا نؤمن بإله واحد، وأن هذا الإله يريد منا أن نسير على منهج أراده، "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ". إذاً، هناك تكاليف يريدها الله تعالى منا نحن البشر، وهذه التكاليف هناك أناس أوكل الله تعالى إليهم مهمة إرشاد عامة الناس إلى هذه التكاليف وبيانها لهم، فكانت هذه هي مهمة الأنبياء ويتلوهم الأئمة من بعدهم. إذاً، هناك أمر إلهي، إرادة إلهية، رغبة إلهية بأن يسير الإنسان في هذه الحياة وفق نظام أرادته له السماء. وكان دور الأنبياء والأئمة هو بيان هذا القانون، هذا النموذج للبشر. هذه القواعد وهذه القوانين هي ما تسمى بالتكليف الشرعي.

فعندما نريد أن نقوم بعمل، لا بد وأن ننطلق من قناعة سابقة، بحيث نسأل: هل من تكليف شرعي لنا في هذا العمل؟ فيأتينا هناك جواب: ما من واقعة إلا ولله فيها حكم. وهناك أحكام تتناول جميع ظروف حياتك أيها الإنسان. لذا نقول في التقسيم الفقهي للأحكام الشرعية، هناك خمسة أقسام للأحكام الشرعية، هي التي يعبر عنها بالأحكام التكليفية الخمسة: الواجب، المحرم، المستحب، المكروه، والمباح.

إذا نظرنا إلى هذه المنطلقات، نأتي الآن إلى كلام الإمام الحسين عليه السلام، روحي له الفداء. الإمام الحسين عليه السلام أسس أُسساً وعناوين لتكاليف شرعية. هذه التكاليف الشرعية انطلق من خلالها لكونه هو في موقع القيادة، في موقع القمة، وفي موقع الإمامة الإلهية، ورسم من خلالها منهجاً لبقية من يريد أن يسير على هذا الدرب.

الفرق بين الأمرين أن الإمام الأمر عنده واضح وجلي، وهو يعمل ضمن التكليف الإلهي، وبالتالي عندما يقول الإمام أمراً، فمعنى ذلك أن على الآخرين أن يعملوا على تنفيذه ولا نقاش في ذلك. أما في واقعنا العملي، فلا بد من أن نبحث وندقق أكثر لنستطيع أن نصل إلى تشخيص أدق، لنعرف إن كان هذا متطابقاً مع التكليف الشرعي الحقيقي أم لا.

نأتي إلى كلام الإمام الحسين عليه السلام بالعبارة التي ذكرتموها. ماذا قال؟ قال: "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به". هنا أسلوب كلام الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يخاطب جموع الناس بأمر مرتكز في أذهانهم، وهو الحق. الأمر المرتكز أنه لا بد من أن يكون الإنسان مع الحق، والحق أحق أن يتبع، والله هو الحق. إذاً، يريد أن يحرك فيهم مشاعر تحرك بهم جانباً عقائدياً لينطلق منه إلى جانب تكليفي فقهي. "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به؟". الحق هو أن من يتولى أمور الناس يجب أن يكون مؤهلاً، ولكن السلطة في ذاك الزمن ابتعدت عن منهج الحق.

فإذاً، هناك تخلٍ عن واجبات، فعندما قال "الحق لا يعمل به"، فإنه ضمن التقسيم للأحكام التكليفية، هناك أمر واجب هو العمل بالحق، فإذا تُرك العمل بالحق، فقد ارتُكب أمر محرم. ومن جانب آخر قال: "وإلى الباطل لا يُتناهى عنه". فماذا يفعلون؟ يرتكبون الباطل الذي حرمه الله. إذاً، تركوا الواجب وفعلوا المحرم، وبالتالي تختل المنظومة التي لا بد وأن تحكم المجتمع، ألا وهي أن تكون ضمن موازين الحق، فإذا فُقد الحق، فُقد العدل وعم الظلم والباطل، وهذا ما لا ترضاه السماء للعباد في هذه الأرض.

المذيع:

أكيد هناك فوارق في طبيعة التكليف الشرعي للحوق بالركب الحسيني آنذاك، وبين أزمنتنا هذه للسير على خطى الإمام الحسين عليه السلام. فكيف يمكن ذلك؟

فضيلة الشيخ:

طبعاً هنا أود أن أضيء على مسألة معينة. البعض، نتيجة اندفاع عاطفي، قد يصل إلى مرحلة تصاب فيها الموازين عنده بشيء من الخلل عندما يجري مقارنة مع الحسين وأصحابه عليهم السلام ومع ما نعيشه في واقعنا. الحسين يجسد موقعية إلهية، وأصحابه يجسدون أنموذجاً لا مثيل له بشهادة الإمام عليه السلام الذي قال: "ما علمت أصحاباً أوفى ولا أبر من أصحابي". إذاً، هناك دور لإمام معصوم يتصرف بأمر الله، وهذا وضع لنا أطراً عامة.

نأتي إلى واقعنا فنقول: نعم، الحسين عليه السلام وضع هذه الأسس، ولكن نحن هل نعمل وفق ما يتصوره الواحد منا، أم أنه لا بد من أن يعمل وفق الموازين الشرعية التي يصل إليها وفق الأدلة المعتبرة؟ هنا الفارق. نقول في واقع حياتنا، لا بد للإنسان المؤمن الملتزم أن يدقق ويعرف كيف يأخذ تكليفه وممن يأخذ تكليفه. في زماننا لا يوجد إمام معصوم، فلا بد من أن ندقق في المسألة، فإذا وصلنا إلى من نأخذ منهم التكليف، ويكون ذلك معذراً لنا، حينئذ نكون قد سرنا على النهج. وهذا ما حصل في العراق منذ السنوات الماضية عندما لبى المؤمنون دعوة فقهية تكليفية لمواجهة المنحرفين، فغيروا الواقع، وكان شعارهم على السواتر "يا لثارات الحسين"، فالارتباط العاطفي والعقائدي مع الحسين دفعهم للالتزام الفكري والعملي.

المذيع:

جزيل الشكر فضيلة الشيخ على كلمتكم القيمة. أحبتي المشاهدين، بعد فاصل قصير نواصل الحديث.

[موسيقى]

[موسيقى]

المذيع:

نرحب بكم أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". وقد خضنا الحديث في الخطى الشرعية والفقهية في واقعة الطف. فضيلة الشيخ، كيف يمكن أن نقرأ وعي الأمة تجاه هذه الجوانب الشرعية، وحدود الاستجابة ومدى الاستجابة لها؟

فضيلة الشيخ:

نعم، في واقع الحال، عندما نتأمل سلوكيات المؤمنين في واقع حياتنا بما يرتبط بعاشوراء، فإننا ندرك تماماً أن الناس منذ القدم وحتى عصرنا تتفاعل بشكل مستمر، بل متصاعد، مع كل ما يرتبط بذكرى الإمام الحسين عليه السلام. وأكثر من ذلك، أقول إن هذا التفاعل ليس منحصراً مع أولئك الذين يعتقدون بإمامة الحسين عليه السلام الإلهية، بل مع شريحة واسعة من الناس الذين يرون فيه مصلحاً وإنساناً مثالياً. وهنا أود أن ألفت النظر إلى مسألة، هل تعلمون أنه في بلد مثل الهند، هناك عطلة رسمية في يوم عاشوراء إكراماً لسيد الشهداء عليه السلام؟ إذاً، مسألة التفاعل مع ذكرى الحسين هي مسألة إنسانية، كما قال مهاتما غاندي: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".

أما أولئك الذين يعيشون القرب العقائدي والفكري والسلوكي مع الحسين عليه السلام، فلا شك أن تفاعلهم يكون أكثر بكثير. وهنا نجد أن ما يرتبط بهذه الذكرى يجعل الإنسان يعيش في أيام عاشوراء حالة يتخطى فيها مستوى حياته الاعتيادية. فمثلاً ونحن في أيام الأربعين، من طبيعة الإنسان أن يسعى نحو الكسب والراحة، ولكن فيما يرتبط بذكرى الحسين، تجد أن مشاعر المؤمنين تتبدل، فتتحول حالة الرغبة في الأخذ إلى الرغبة في العطاء والبذل. وهذا يتجسد بأبهى صوره فيما نراه من بذل المؤمنين في ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، عندما تجد الصغير والشاب والكهل والعائلة يمضون أياماً لتقديم الخدمات لزائر الحسين عليه السلام.

المذيع:

بالمناسبة، لو سمحتم، هناك ذكريات، أنا عشت الواقع، عندما رأيت حالة التسابق بين الناس، وخاصة من ظروفهم الاقتصادية متواضعة جداً، وقد استضافنا أحدهم، كانوا يبيعون العطور، ومن رزقهم ذاك كانوا يبذلون لخدمة زوار الإمام الحسين. انظروا بهذا المستوى من التواضع، كانوا يقدمون ما لديهم.

فضيلة الشيخ:

هذا هو العطاء الحقيقي. هناك من يجمع من سنة إلى سنة ليبذل في ذكرى الإمام الحسين. هذه صورة رائعة لا مثيل لها، حيث يتسابقون في البذل والعطاء. هذا يدل على وجود حالة ارتباط تجسدت في سلوك هؤلاء الناس، جانب عقائدي تلاقح مع جانب عاطفي، فولد شعوراً واستعداداً قلب موازينهم الاعتيادية، فتبدلت الرغبة في الراحة إلى الرغبة في العناء والتعب.

وهذا التفاعل العملي يتجسد حتى في الصفات الشخصية. فتجد الناس الذين يسيرون إلى سيد الشهداء، بمجرد أن يسمعوا الأذان يتجهون لإقامة الصلاة. وتجد مفاهيم عاشوراء تتجسد في سلوكياتهم، كمسألة الإيثار. عندما يسمع الإنسان عن إيثار العباس عليه السلام، أو صلاة الحسين في وقتها، أو صبر زينب عليها السلام، فإن هذا يترك أثراً في سلوكه العملي.

المذيع:

فضيلة الشيخ، هناك فكرة "فقه الشعائر الحسينية"، فما هي خصوصية هذا الفقه لو سمحتم أن تشرحوا عن ذلك؟

فضيلة الشيخ:

باختصار، فيما يرتبط بالشعائر الحسينية، كل أمر أصبحت له خصوصية تدل على الإمام الحسين عليه السلام فهو من هذه الشعائر. وهنا أوجه نصيحة بمودة للكثيرين، لا يحاولن البعض أن يحصر فهمه للحسين عليه السلام وذكراه وفق ما يراه هو، فالحسين عليه السلام أكبر من أن يحصره فرد أو تحصره جماعة. الحسين شمس تسطع على البشرية، وكل كائن يتأثر منها بجانب من الجوانب. فليبقَ كل واحد يعيش مع الحسين عليه السلام بما ينسجم معه؛ ذاك الذي يلبس السواد، وذاك الذي ينظم الشعر، وذاك الذي يطبخ الطعام، وذاك الذي يلطم، وذاك الذي يبكي. كل واحد يأخذ من نور الحسين وشعائره وفق قدرته ورغبته وحاجته.

المذيع:

نشكركم جزيل الشكر سماحة الشيخ على هذا الحديث الشيق والهادف والعلمي. أحبتي المشاهدين، نشكركم على حسن الإصغاء والمتابعة في هذه الحلقة عن الخطى الشرعية والفقهية في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". وعلى أمل أن نلقاكم في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!