كتابٌ على كل مفكر ان يقرأه
بالأمس أهداني أخ عزيز كتاباً من الحجم الرقعي تقل صفحاته عن المائتين قليلا.
كان ذلك في ساعة متأخرة من الليل، وكان من الممكن ان ينضم هذا الكتاب الى لائحة طويلة من الكتب التي تصلني أو التي أشتريها لتضاف الى مكتبتي وتأخذ مكانها في لائحة الانتظار حسب تصنيف الكتاب ، وحسبما أستطيع ان اعطي لكل صنف من وقتي.
وهنا اعترف بأن بعض الكتب لا تزال على لائحة الانتظار منذ سنوات لأنها لم تصنف في قاموسي الخاص بين الكتب التي تنال المرتبة الأولى او الثانية او حتى الثالثة من اهتمامي.
عندما تناولت الكتاب نظرت في صفحته الاخيرة علّي أقرأ ملخصاً يحكي الكتاب كي أحدد موقعه من اهتماماتي فلم أجد شيئا.
انتقلت الى المقدمة كي استشرف منها نمط الكتابة ومادة الكتاب، فلفتت نظري بعض العبارات التي تدل على أن مؤلفه قد كتبه في حالة المرض ، وأنهى مراجعته بعدما استفحل به المرض الى اقصى الحدود، فغدا حياً بواسطة الآلات، التي لولا استعمالها لما بقي على قيد الحياة.
تأملت بعض ما جاء فيها، وكيف كان يضع اللمسات الأخيرة على كتابه ويصحح بعض العبارات من خلال الإشارة برموش عينيه، لقد فتك به المرض الى درجة لم يعد باستطاعته حتى الجلوس او الكلام او حتى تحريك رأسه، كل ما يستطيعه هو أن يرمش بعينيه، وكان ان استعان بجدول كتبت فيه الأحرف الأبجدية مكونا من ستة أسطر، وفي كل سطر عدد من الحروف، وكان قد حفظ مكان كل حرف في أي سطر وفي اي رقم، وعندما يبدأ الشخص المساعد له بعد ارقام الاسطر ويصل الى السطر الذي يوجد فيه الحرف المطلوب ، كان مؤلف الكتاب يرمش بعينه، فيفهم ذاك ان الحرف المطلوب هو في هذا السطر، ليبدأ بقراءة أرقام السطر الى أن يصل الى الحرف المطلوب ، وعندما يرمش صاحبنا يفهم ذاك ان هذا هو الحرف المطلوب.
هذه الإرادة القوية عند المؤلف ذكرتني بوالده رحمه الله حيث كنا في فترة سابقة قبل عقدين من الزمن نقوم ببعض الأنشطة سويا وكان رحمه الله الأكبر سنا بيننا كأنه والدنا جميعا وكانت له همة تفوق همة الشباب، فقلت في نفسي لا شك أن للتربية أثر في بناء شخصية هذا المؤلف الذي استطيع أن أقول فيه:
إن كان المرض قد قهر جسده فأعاقه عن النشاط الاعتيادي لبني البشر، فإنه قد قهر المرض بإرادته الصلبة والتي كان من ثمرتها هذا الكتاب
كيف تبني من نفسك الشخص الناجح
بعد قراءتي لهذا الكتاب استطيع أن أقول إنه كتاب يستحق القراءة، لقد أعادني الى ما يقرب من أربعة عقود من الزمن، الى فترة شغفي الاولى بالقراءة والمطالعة، لم أكن قد تجاوزت السنين العشر من عمري عندما كان من هم بعمري من الرفقة يلعبون مع أولاد الجيران وكنت يومها أهيم عشقاً بالكتاب ، حتى أن والدتي عندما ذهبت مع اخوتي في الصيف الى لبنان بقيت مع والدي في النجف الاشرف، وفي تلك المرحلة فإن أي كتاب اختاره للقراءة كان يبقى في يدي الى أن انهيه ولا يمكن لي أن آوي الى النوم قبل انهاءه.
كان والدي حفظه الله يقول لي قم الى النوم فقد تأخر الوقت ، ولكي لا أخالف والدي كنت آوي الى الفراش عندما ننام على السطح في أيام صيف النجف ، فأنام على جانب والكتاب على جانب آخر، وعندما أنتهي من قراءة صفحة اقلب الى الجهة الاخرى وهكذا حتى أنهي الكتاب.
وعندما ننام في الغرفة يبقى في الغرفة ضوء خافت هو ضوء (النواصة) أنهي قراءة الكتاب الذي لم أكن قد تمكنت من اكماله في النهار.
هذا الكتاب اليوم أعادني الى تلك الفترة، فمع أن اليوم هو يوم النصف من شهر رجب ، وله اعمال خاصة، فقد طغى موضوع قراءتي لهذا الكتاب على كل شيء آخر حتى أنهيته بعيد الافطار لأخلص الى نتيجة هي:
إن أهمية هذا الكتاب الذي ألفه: الدكتورعدنان عقيل عيسى تكمن في كونه شكل تجسيداً نموذجياً عملياً للعلاقة بين الكاتب والكتاب.
فممارسة الكاتب لموضوع عنوان كتابه هي ابلغ تعبير عن مصداقية الكتاب وأهميته.
لذا اقول : إنه كتاب جدير بأن يقرأه ليس الشاب فقط بل كل انسان مفكر.