محطتان في ذكرى شهادة الامام الحسن عليه السلام
يوم امس كانت ذكرى شهادة الامام الحسن المجتبى عليه السلام، وكنا مدعويين لحضور مجلس عزاء في هذه المناسبة ، وعندما صعد الخطيب المنبر وشرع في المجلس عرج على ذكر بعض فضائل الامام الحسن عليه السلام، فروى قصة مشهورة جرت بين الامام الحسن عليه السلام وبين أحد الشاميين من أتباع معاوية بن ابي سفيان.
استوقفتني هذه القصة التي نرددها دائما في مقام بيان فضائل الامام الحسن وتساءلت بيني وبين نفسي قائلا:
هل الغاية من ذكر هذه القصص هي الاستدلال على فضائل الامام الحسن عليه السلام؟
وبالطبع أجبت نفسي بأن هذا فهم القاصر الجاهر، إذ ماذا بعد مرتبة الامامة التي نص عليها نبي الرحمة الذي لا ينطق عن الهوى، وماذا بعد مرتبة كونه أحد سيدي شباب أهل الجنة،
إذن ما الغاية من ذكر مثل هذه الفضائل ؟
يمكننا أن نفهم جانبا من ذلك وهو أن يكون ذلك مدرسة تعليمية عملية لنا نحن المنتمون الى مدرسة أهل البيت عليهم السلام..
وأمام هذه الخاطرة شعرت بالمرارة، هل أن سلوكنا العملي قد تأثر بهذه المدرسة العملية؟
هل أن من ينسبون انفسهم الى هذه المدرسة يمارسون نتاجها التعليمي التربوي؟
أم أننا نكتفي باستذكار هذه الفضائل دون ان نتركها تؤثر علينا في سلوكنا مع الاخرين؟
وكيف سيكون الامر في سلوكنا بين بعضننا البعض؟
لقد تذكرت بعض الشكاوي التي اطلعت على عناوينها منذ ايام في قسم الشكاوي في منتديات يا حسين، وكنت أشعر بالقرف من الاسلوب المتدني في مخاطبة بعض الموالين لبعضهم البعض، ربما أنهم تأثروا من حيث لا يدرون بالمدرسة الاموية في التعامل من حيث لا يدرون، ووصلت بهم العدوى الى ممارسة هذا التأثر حتى مع من يخالفهم الرأي من ابناء مذهبهم، وليس فقط فيمن يخالفهم من الاخرين..
لذا أحببت في هذه المناسبة ، مناسبة ذكرى شهادة الامام الحسن عليه السلام أن أكتب مقارنا بين سلوكين:
السلوك الاول: ما جسده الامام عليه السلام في حياته كما ورد من أَنَّ شَامِيّاً رَآهُ رَاكِباً فَجَعَلَ يَلْعَنُهُ وَ الْحَسَنُ لَا يَرُدُّ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ الْحَسَنُ ع فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ ضَحِكَ فَقَالَ أَيُّهَا الشَّيْخُ أَظُنُّكَ غَرِيباً وَ لَعَلَّكَ شَبَّهْتَ فَلَوِ اسْتَعْتَبْتَنَا أَعْتَبْنَاكَ وَ لَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ وَ لَوِ اسْتَرْشَدْتَنَا أَرْشَدْنَاكَ وَ لَوِ اسْتَحْمَلْتَنَا أَحْمَلْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ جَائِعاً أَشْبَعْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ عُرْيَاناً كَسَوْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجاً أَغْنَيْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ طَرِيداً آوَيْنَاكَ وَ إِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ قَضَيْنَاهَا لَكَ فَلَوْ حَرَّكْتَ رَحْلَكَ إِلَيْنَا وَ كُنْتَ ضَيْفَنَا إِلَى وَقْتِ ارْتِحَالِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْكَ لِأَنَّ لَنَا مَوْضِعاً رَحْباً وَ جَاهاً عَرِيضاً وَ مَالًا كَثِيراً فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ بَكَى ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وَ كُنْتَ أَنْتَ وَ أَبُوكَ أَبْغَضَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ وَ الْآنَ أَنْتَ أَحَبُّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ وَ حَوَّلَ رَحْلَهُ إِلَيْهِ وَ كَانَ ضَيْفَهُ إِلَى أَنِ ارْتَحَلَ وَ صَارَ مُعْتَقِداً لِمَحَبَّتِهِمْ .
وفي هذا السلوك نقرأ درسا عمليا من الامام ابي محمد الحسن عليه السلام في أسلوب التعامل مع الاخرين ، الذي قال فيه وفي أخيه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سِبْطَايَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا.
السلوك الثاني: ما تجسده مدرسة الانحراف السلوكي والعملي كما ورد في [الخرائج و الجرائح] رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ع الْوَفَاةُ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً وَ قَالَ إِنِّي أَقْدَمُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ وَ هَوْلٍ لَمْ أَقْدَمْ عَلَى مِثْلِهِ قَطُّ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يَدْفِنُوهُ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ يَا أَخِي احْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي إِلَى قَبْرِ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ ص لِأُجَدِّدَ بِهِ عَهْدِي ثُمَّ رُدَّنِي إِلَى قَبْرِ جَدَّتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ فَادْفِنِّي فَسَتَعْلَمُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنَّ الْقَوْمَ يَظُنُّونَ أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ دَفْنِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَيَجْلِبُونَ فِي مَنْعِكُمْ وَ بِاللَّهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ تُهْرِقَ فِي أَمْرِي مِحْجَمَةَ دَمٍ فَلَمَّا غَسَّلَهُ وَ كَفَّنَهُ الْحُسَيْنُ ع وَ حَمَلَهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَ تَوَجَّهَ إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِيُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً أَتَى مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ أَ يُدْفَنُ عُثْمَانُ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَ يُدْفَنُ الْحَسَنُ مَعَ النَّبِيِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً وَ لَحِقَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَغْلٍ وَ هِيَ تَقُولُ مَا لِي وَ لَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُدْخِلُوا بَيْتِي مَنْ لَا أُحِبُّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لَا نُرِيدُ دَفْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِحُرْمَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَطْرُقَ عَلَيْهِ هَجْماً كَمَا طَرَقَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَ دَخَلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ انْصَرِفْ فَنَحْنُ نَدْفَنُهُ بِالْبَقِيعِ كَمَا وَصَّى ثُمَّ قَالَ لِعَائِشَةَ وَا سَوْأَتَاهْ يَوْماً عَلَى بَغْلٍ وَ يَوْماً عَلَى جَمَلٍ وَ فِي رِوَايَةٍ يَوْماً تَجَمَّلْتِ وَ يَوْماً تَبَغَّلْتِ وَ إِنْ عِشْتِ تَفَيَّلْتِ فَأَخَذَهُ ابْنُ الْحَجَّاجِ الشَّاعِرُ الْبَغْدَادِيُّ فَقَالَ
يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ لَا كَانَ وَ لَا كُنْتِ لَكِ التُّسْعُ مِنَ الثُّمْنِ وَ بِالْكُلِّ تَمَلَّكْتِ
تَجَمَّلْتِ تَبَغَّلْتِ وَ إِنْ عِشْتِ تَفَيَّلْتِ
بيان قوله لك التسع من الثمن إنما كان في مناظرة فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة فقال له الفضال قول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ منسوخ أو غير منسوخ قال هذه الآية غير منسوخة قال ما تقول في خير الناس بعد رسول الله ص أبو بكر و عمر أم علي بن أبي طالب ع فقال أ ما علمت أنهما ضجيعا رسول الله ص في قبره فأي حجة تريد في فضلهما أفضل من هذه فقال له الفضال لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله ص لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما و قد أقررت أن قوله تعالى لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غير منسوخة. فأطرق أبو حنيفة ثم قال لم يكن له و لا لهما خاصة و لكنهما نظرا في حق عائشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما فقال له فضال أنت تعلم أن النبي ص مات عن تسع حشايا و كان لهن الثمن لمكان ولده فاطمة فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر و الحجرة كذا و كذا طولا و عرضا فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك.
و بعد فما بال عائشة و حفصة يرثان رسول الله و فاطمة بنته منعت الميراث فالمناقضة في ذلك ظاهرة من وجوه كثيرة.
فقال أبو حنيفة نحّوه عنّي فإنه و الله رافضيّ خبيث.
توضيح الحشايا الفرش كنّي بها عن الزوجات .
أمام هاذين السلوكين ألا يحق لنا أن نتساءل بيننا وبين أنفسنا، أين نحن من هاذين السلوكين، ومن أي مدرسة نتأثر في تعاملنا بين بعضنا البعض، ؟
قد يقول قائل: إن الاخر قد اعتدى، وإن من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .. الى آخر ما يمكن ان يتم استعراضه من تبريرات.
ولكن الجواب أننا لا نتحدث عن الان مسالة الجواز والحرمة، ومسالة المحق والمبطل. ومسألة المعتدي والمعتدى عليه، إنما نتحدث عن الجانب التربوي الذي يطبع شخصية المرء في سلوكه او في كتاباته او في مشاركاته..
وبالتالي فليختر كل واحد لنفسه المدرسة التي يريد أن يتأثر بها.