كلمة في حرم الامام الحسين (ع)
في يوم الثالث من شهر شعبان كانت افتتاحية مهرجان ربيع الشهادة السابع في العتبة الحسينية المطهرة وكان لي شرف القاء كلمة الوفود المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَ لَا يُحْصِي نِعَمَهُ الْعَادُّونَ وَ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُون
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا ابي القاسم محمد الصادق الامين الذي وصفه رب العالمين بقوله الحكيم: وما ينطق عن الهوى ، ان هو الا وحي يوحى.
وعلى آله الغر الميامين الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ عَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ..
السلام عليكم ايها المجتمعون في ساحة الحسين .. تحت قبة الحسين..
السلام عليكم يا من تستمعون الى صدى صرخة ورحمة الله وبركاته.
سيدي يا ابا عبد الله.. سيدي يا ابن رسول الله.. سيدي يا ابن أول القوم اسلاما.. سيدي يا ابن فاطمة البتول الطهر التي يرضى الله لرضاها..
يا سيد شباب أهل الجنة..
يا صَرِيعَ الدَّمْعَةِ السَّاكِبَةِ
يَا صَاحِبَ الْمُصِيبَةِ الرَّاتِبَة
ياعَبْرَةُ كُلِّ مُؤْمِن ومؤمنة.
يا من رسم معالم الطريق بكلماته الخالدة..
الا ترون الى الحق لا يعمل به.
اريد الاصلاح في أمة جدي.
كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات
وعلى بعد خطوات سيدي من محل مصرعك.. ومن الساحة التي كانت مسرحا لخيل داست جسدك بحوافرها، والمنادي ينادي أحرقوا بيوت الظالمين..
من تلك الساحة سيدي.. والدماء تغطي كريمتك وشيبتك وأنت ترمق السماء بطرفك مناجيا ربك.. هامسا في اذن البشرية.. بهمسة راحت تتعاظم صدى وأنت تقول:
الهي تركت الخلق طرا في هواك
وأيتمت العيال لكي أراك
فلو قطعتني بالحب اربا *** لما مال الفؤاد الى سواك
من هذه الساحة سيدي، التي وقفت فيها زينبُ، صاحبة القلب الصبور.. تنظر الى منحرك الشريف يشخب دما، وتتذكر جدك رسول الله (ص) وهو يشمك في نحرك فترى الرأس مفصولا عن جسدك ، ومرفوعا على رمح طويل..
لم تجد سوى المنحر لتحني الكف من دم النحر قائلة بكل عنفوان وكبرياء وعز وشموخ وإباء، وهي التي فقدت اولادها واخوتها ، فقدت سبعة عشر من أهل بيتها. تصرخ أمام الجمع بدعائها..الهي تقبل منا هذا القربان..
سيدي يا ابا عبد الله وفي يوم ولادتك الاولى في الثالث من شعبان، عندما زفت البشرى ملائكة السماء.. في ذاك اليوم الذي بكى فيه رسول الله لما يحل بك في يوم ولادتك الثانية التي رسمت معالم تصحيح الانحراف، ومنعت الاندثار فاستحقيت ان يخلد بك رسول الله ليقول.. أنا من حسين.. اليست الولادة انتقالا من عالم الى عالم.. من حياة الى حياة..
لئن كانت ولادتك الاولى سيدي في شعبان، وولادتك الثانية يوم عاشوراء في كربلاء.
فاليوم سيدي.. في هذا المكان وفي نفس الساحة... يجتمع الزمان مع المكان..
ها أنت من فيض الخلود تحنو على وفود أمتك، من شرقها الى غربها..
من الهند، من مشهد الامام الرضا بما يمثل وبما يجسد ..
من أرض جبل عامل ، من لبنان، وبلاد الشام، حيث الصدى لصرخة ابي ذر
من افريقيا واميركا ..من كندا..
من كل بقاع المعمورة .. أمت ضريحك لتلثم أعتابك معلنة بكل فخر واعتزاز .. قائلة..
إن صدى صوتك الذي اطلقته في ساعة الرمق الاخير من هذه الساحة.. مدويا عبر الزمن والاجيال .. هل من ناصر ينصرنا.. قد وصل الى مسامع قلوب آمنت بك رمزا خالدا .. ومشعلا علما.. ونورا وضّاء .. جسّد شعلة النور الالهي.. فكنت وارث آدم صفوة الله.. وكنت وارث نوح نبي الله، وكنت وارث ابراهيم خليل الله، وكنت وارث موسى كليم الله، وكنت وارث عيسى روح الله، وكنت وارث محمد حبيب الله..
اجتمع كل اولئك اليوم في ساحة ولادتك الثانية.. ملبين النداء.. بقلوبهم وعقولهم واجسامهم.. لبيك يا حسين..
لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي. لبيك يا حسين لبيك يا حسين.
يدعون ربهم قائلين: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ.
لقد وفق الله اناسا منذ بضع سنوات حملوا أمانة خدمة هذه البقعة الطاهرة وليرفعوا في كل عام في هذا الزمان وفي هذا المكان.. راية مهرجان أطلقوا عليه تسمة ربيع الشهادة..
ما أعظمه من ربيع، وما أعظمها من شهادة.
ربيع تبدأ معه الحياة.. وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُون
إن ربيع الارض يبدأ بعد موت ويباس عندما ينزل الله الغيث من السماء..
وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ..
أما الشهادة فهي علامة تنطبع على ذاكرة الزمن والبشر.. فتغدوا مفصلا فارقاً ما قبلها عما بعدها..
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيرا
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهيدا
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْديهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُون
وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيدا. وكان الحسين شاهدا وشهيدا.
نعم حقّ للحسين ان نطلق في يومه ذا الشعارا..
فهو الربيع الذي أحيا به الله ميت العباد.. بعد أن رمى يباس الخريف.
الحسين ربيع الحياة.. فلا معنى لحياة يفتقد فيها الانسان كرامته.. يبتعد فيها عن مرضاة ربه.
ها قد أطلت كربلاء على الملأ من كربلاء فلبى النداء ْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً
وليس من يشهد له الحسين .. كمن يشهد عليه..
شكرا لكل من نظم وساهم وعمل وشارك في انجاح هذا المهرجان..
شكرا لكل من خدم وسهل،
شكرا للامانتين الكريمتين في العتبتين الحسينية والعباسية وحسابهم على الشاهد الشهيد.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته