حجم الخط:

اسئلة وكالة الانباء القرآنية العالمية

السؤال

بسم الله الرحمن الرحیم

فضیلة الشیخ  المجاهد والمفکر مصطفی مصری العاملی "حفظه الله"

بعد التحیة والثناء

یسرنا ان نتقدم بازکی التبریکات بمناسبة اطلالة شهر رجب المرجب کما ان نعلن عن تقدیرنا لتواصلکم مع وکالة الانباء القرآنیة العالمیة وبعد:

الیکم اسئلة المقابلة بشان الدراسات والعلوم القرآنیة .. واقعها ومستقبلها:

 

السؤال الاول: بداية لو سمحتم تعريف عن بطاقتكم الشخصية ونشاطاتكم ومهامكم وهل لديكم دراسات أو بحوث أو تأليفات قرآنية ..يا حبذا تشرحون لنا ما تيسر لكم؟

 

السؤال الثاني: ما هو تعريفكم عن الدراسات والبحوث والعلوم القرآنية وهل یوجد بینهما ترابط وعلاقة وهل الواقع الحالی لهذه الدراسات هو منطبق للمعايير وهل تمثل التطور للفكر الأمامی؟... وبعض المهتمین یرون ان الحوزة العلمية ما زالت تحتاج الى الكثير من الاهتمام بالدراسات القرآنية الى جانب الفقه والاصول؟

 

السؤال الثالث: ما هو موقع القرآن من العلوم البشرية ؟ وباعتقادكم هل للتطورات العلمية المختلفة تأثيراً على البحوث والدراسات القرآنية ؟ وکم استفادت النصوص والعلوم الاسلامیة کالفلسفة والکلام والاصول من القرآن بقدر ما استفادت من العقل الیونانی؟

 

السؤال الرابع؟ کیف یتم بيان أصالة المفاهيم القرآنية والاستفادة من القرآن الكريم في تأصيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبيان التوجيه القرآني للعلوم؟

 

السؤال الخامس: هل ترون مستقبلاً للتواصل العلمی بين المراكز الدينية والمراكز الآكاديمية على المستوى القرآنی وكم كان النظام الآكاديمی والحوزوی الشيعی مبدعاً فی الجانب القرآنی ؟ وهل تویدون بان العلوم القرآنیة مختصة بالجامعات والحوزة ما لها نصیب من الجانب القرآنی الا التفسیر؟

 

السؤال السادس: لماذا تفتقر مؤسسات شيعية تعنى بهذا الجانب لحد ما لأنها وان كانت فهی تعانی من التنظيم الإداری الصحيح ومن الكوادر المتخصصة سواءً كانت فی إيران أو خارج البلاد ؟ وما هی الأسباب لعدم بروز قنوات شيعية تهتم بهذا الشأن ویری البعض ان القنوات الشيعية حالياً لا تخدم القضية الكبرى للمسلمين ولا للشيعة طبعاً بقدر ما تعبّر عن اذواق شخصية ورؤى محدودة فأين تكمن الحلول ؟

 

السؤال السابع: البعض يقول بان ترجمة القرآن لم تعبّر عن المعنى الحقيقی و بعض الترجمات دونت من قبل غير المسلمين ودخلت فيها آراء مغلوطة ... و بینما بعض المفکرین یعتقدون أنَّ المسلمين يمكن أن يستفيدوا أيضًا من المختصين المسيحيين بالأبحاث الإسلامية الذين سبق لهم إجراء دراسات قرآنية في فترة مبكِّرة... ما هو ردكم ؟

 

الكلمة الاخيرة؟

مع فائق الشکر والامتنان : 31-7-2008

رسول جواد (عوده زاده) – وکالة الانباء القرآنیة العالمیة

 

الجواب
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

            الجواب الاول: يمكن أن اذكر بإيجاز بعض العناوين التالية:

-        الشيخ مصطفى مصري العاملي ، نجل فضيلة الشيخ محمد مصري من بلدة أنصار جنوب لبنان.

-        دراستي الحوزوية الاولى كانت في النجف الاشرف في سن مبكر وأنهيت المقدمات وقسما من السطوح.

-        حافظ لثلث القرآن تقريبا في سن الطفولة.

-        أكملت مرحلة السطوح في لبنان وسوريا و البحث الخارج في لبنان وايران، وآخر من احضر عندهم سماحة المرجع الشيخ حسين الوحيد الخراساني، وسماحة المرجع السيد محمد صادق الروحاني.

-        حائز على شهادات أكاديمية في الكهرباء العامة، وإدارة الاعمال.

-        عملت مع الشهيد الدكتور مصطفى جمران في لبنان أمينا للسر.

-        عملت استاذا للتربية الدينية لسنوات في عدد من المدارس في لبنان.

-        حائز على شهادة تقدير في تجويد وتلاوة القرآن الكريم.

-        عضو ورئيس في الفترة التأسيسية للهيئة الوطنية للمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية.

اما فيما يتعلق بالكتابات والتاليفات فلدي العديد من الكتابات المختلفة ، وما طبع حديثا منها يتناول الجانب الفقهي لناحية الشرح والتحقيق، وما طبع قبل ثلاث عقود يتناول بحثا تاريخيا عن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.

 

الجواب الثاني: الدراسات والبحوث والعلوم القرآنية متنوعة ومتعددة حسب اللحاظ الذي تلحظ به، والناحية التي يتركز عليها البحث او الدراسة، ولا نستطيع ان نقول بوجود رابط  علمي بين مختلف الدراسات المتنوعة تبعا لتنوع هذه العلوم، نعم قد يكون الترابط بينها بلحاظ نسبتها جميعا الى القرآن الكريم، سواء كان هناك اشتراك بينها في بعض المفردات والجهات، او لم يكن هناك أدنى اشتراك، لذا فقد يكون البحث أو تكون الدراسة ناظرة الى جانب اللغة في كلمات القرآن لناحية الاعراب، وقد تكون ناظرة الى جانب البلاغة، وبينهما عناصر مشتركة، وقد تكون ناظرة الى جانب تاريخي ورد ذكره في القرآن الكريم، او قد تكون مختصة بجانب تربوي تحدثت عنه الايات الكريمة، او قد تكون تلك الدراسة او ذاك البحث مختصا بجانب الاحكام والقوانين الشرعية، او الجانب العقائدي، وهكذا..

أما الدراسات الحالية حول مختلف هذه الجوانب فنستطيع أن نقول أنها قد تكون غنية في جانب، وضعيفة في جانب آخر، ويعود ذلك الى جانب الحاجة التي يشعر بها الباحثون من جهة فيركزون على جانب من الجوانب، ويبتعدون عن جانب آخر، وقد يكون هناك سبب آخر للابتعاد عن بعض الابحاث نتيجة القصور في التوجيه او القدرة.

أما علماء الامامية فلهم عبر التاريخ باع طويل في عدد من العلوم ولكن قد يظهر اهتمامهم في الجوانب التي يعتقدون أن لها أثرا مباشرا على المكلفين، أكثر من بعض الجوانب التي يرون ان عدم التعمق فيها لا يؤثر سلبا على ما يحتاجه الناس خلافا لجوانب اساسية كانوا يركزون عليها أكثر من غيرها.

أما مسالة اهتمام الحوزة بالعلوم والدراسات القرآنية فهناك بعض الجوانب تدخل في سياق الدراسات الاخرى لطالب الحوزة، بحيث أنه إذا تمكن منها فإنه لا يحتاج حينئذ الى بحث خاص ، فالجانب البلاغي مثلا، او اللغوي في القرآن الكريم مرتكز على مدى اتقان الطالب لهذه المادة ، وبالتالي عند اتقانه قواعد اللغة ، والبلاغة فإنه تلقائيا يصير متمكنا من التعاطي معها قرآنيا بالمستوى المناسب.

اما القصور عند الطالب في هذا المادة فإنه سينعكس على فهمه القرآني وبالتالي فإن دراسته  للبلاغة في القرآن بمعزل عن اتقانه المادة لن تؤدي الى النتائج المرجوة.

 

 

الجواب الثالث: لا شك أن العلوم البشرية، متعددة ومتنوعة  ومتفاوتة التاثير على الجنس البشري، وهي بالتالي تنقسم الى اقسام كثيرة، منها ما يصب في مصلحة الانسان، الفكرية والحياتية، ومنها ما يندرج تحت عنوان العلوم التي تزيد من ثقافة ومعرفة الانسان، وقد يكون لها تأثير ايجابي على حياته، وبعض العلوم تندرج تحت عنوان أن المعرفة بها لا تنفع، والجهل بها لا يضر، عدا عما يكون ضرره اكثر من نفعه. ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن القرآن الكريم يشكل في دائرة المعرفة والفائدة قطب الرحى إذ وكما ورد في النص القرآني الكريم:  ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.

-        وكلمة كل في اللغة تفيد العموم، وبالتالي فهو محور لكل ما فيه هدى ورحمة وبشرى، سواء فيما يتعلق بأمورهم العقائدية ، او الفكرية ، او الاحكام العملية، او التوجيهية لشتى الجوانب التي يحتاجها الانسان في حياته، وعلى هذا فإنه كلما تطورت العلوم البشرية أكثر وتعمقت في المعرفة أكثر فإن ذلك يفتح نافذة من المعرفة على عمق دلالة آيات الكتاب الكريم، وهو ما ذكرته الاية الكريمة صريحا: سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ في‏ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهيدٌ (53 فصلت ). ولو اخذنا مثالا على ذلك قوله تعالى: بلى قادرين على أن نسوي بنانه. فإننا نقول ان فهم عمق دلالة الاية الكريمة ما كان ليتضح لنا لولا التطور العلمي الحديث الذي اكتشف ان بصمات الاصابع لا تتطابق بين اثنين من بني البشر، فالفهم التقليدي لمعنى الاية قبل هذا الاكتشاف العلمي يدلنا على أن الله تعالى قادر على إعادة إحياء اصابع الانسان، أما الفهم الجديد فنفهم منه أن الاعجاز الالهي في إعادة خلق الانسان لا يتناسى حتى بصمات الاصابع التي كانت للانسان في الحياة الدنيا والتي تتفق وبصمات انسان آخر، وكم بين الفهمين من بون شاسع. وفيما يتعلق بالعلوم الاسلامية المختلفة، فلا شك أن بعضها يرتكز في عمقه على ما يستنبط من القرآن الكريم، بل وأن قرب نسبتها الى الاسلام تكون اعمق بحسب قربها من معاني القرآن الكريم، وكلما ابتعدت تلك العلوم عن هذه الجهة كلما كانت عرضة للاشكاليات والسقطات في بعض الطروحات.

 

الجواب الرابع: من الايات التي أقف متأملا الكثير من معانيها والتي تشكل قاعدة أساسية للربط بين المفاهيم القرآنية والعلوم الانسانية المختلفة هما آيتان:

-        الاولى هي الاية 191 من سورة آل عمران : الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ.

-        إذ أن هذه الاية الكريمة تذكر وبوضوح أن التعمق في العلوم الكونية المختلفة هو الموصل الى الايمان الحقيقي بالله تعالى.

-        والثانية هي الاية 53 من سورة فصلت: سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ في‏ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهيدٌ.

-        وهذه الاية الكريمة التي ذكرتها في سياق الاجابة على السؤال السابق تتحدث بوضوح عن أن الغوص في العلوم الانسانية المختلفة ، سواء فيما يتعلق بالعلوم الكونية، او العلوم المختصة بالانسان هو الذي سيوصل حتما الى معرفة الحقيقة التي أراد الله من عباده اطلاعهم عليها.

 

الجواب الخامس: لا بد من مسالة التواصل هذه استنادا الى الاية التي مر بيانها في الفقرتين السابقتين، فالمراكز الاكاديمية العلمية تسلط الضوء على جوانب تفصيلية يصل اليها العلم البشري ، ومن خلال الفهم العميق لها تظهر حقيقة المعاني التي أشار اليها القرآن الكريم.

-        أما فيما يتعلق بمسألة العلوم القرآنية المتعددة، فلقد اجبت مفصلا عند السؤال الاول، وبالتالي فإن هناك جانبا معينا واساسيا تحتاجه الحوزة في هذه الدراسات، ولا ينحصر ذلك في التفسير فهو جانب مهم ، وللاحاطة المطلوبة بهذا الجانب لا بد من الاضطلاع بمعرفة جوانب اخرى من العلوم تساعد على الفهم الحقيقي للتفسير والذي يخرج عن كونه رجما بالغيب.

-        فمعرفة تفسير القرآن الكريم بمعناه الحقيقي هو مرتبة عالية قد اشار الله تعالى الى ذلك في كتابه العزيز: لا يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم.

-        والتأويل هو مرحلة عميقة من فهم القرآن الكريم تتعدى التفسير اللفظي للكلمات.

 

الجواب السادس:العمل المنتج على شتى الصعد ينقسم الى قسمين:

-        القسم الاول: ما يرتكز على المبادرة الفردية.

-        القسم الثاني: ما يرتكز على العمل المؤسساتي.

-        وفي واقعنا الشيعي فإننا نجد أن النجاحات غالبا ما ترتكز الى المبادرات الفردية للاشخاص، وبالتالي فمن الطبيعي أن يطغى الذوق الشخصي على أية وسيلة اعلامية او عملية اخرى من خلال ذوق الفرد.

-        وأما العمل الذي يرتكز على المؤسسات فإنه يعاني من ثغرتين خطرتين:

-        الاولى: في كثير من مراكز العمل المؤسساتي لا تتم الاستعانة بأهل الكفاءة بل يترك الامر بيد من تنقصهم التجربة والخبرة والكفاءة، وبالتالي فإن الرغبة الصادقة للعمل عند هؤلاء تصطدم بجدار من واقعية عدم الاهلية، فيضيع قسم كبير من الجهود سدى.

-        الثانية: أن العمل المؤسساتي يكون خاضعا لتوجيه يرتكز على الشخصانية والفردية وبالتالي فإن العمل المؤسساتي يتم تسخيره لرغبات افراد بل ان تكون له النظرة الشمولية. وهذا ما يفقده القدرة على التأثير..

-        فإذا ما نظرنا الى نماذج من العمل الاعلامي المؤسساتي الناجح عالميا، فإننا نرى أن bbc تلاقي نجاحا منقطع النظير على الصعيد العالمي، لما تمتاز به من استعانتها بالكفاءات الاعلامية من جهة، ومن استقلالية تامة حتى عن الجهات التي تمولها ماديا، وهو ما نفتقر اليه في مؤسساتنا الشيعية الوليدة التي تعاني من احدى الثغرتين على الاقل او من كلتا الثغرتين معا.

 

الجواب السابع:بالطبع إن أي ترجمة للقرآن الكريم مهما بلغت قوة المترجم سواء كان مسلما أو غير مسلم لن تصل الى المستوى التي تظهر فيها المعاني القرآنية كما هي الحال في اللغة العربية، لما تحتويه اللغة العربية من غنى وثراء بلاغي لا يتوفر في اللغات الاخرى، بالاضافة الى كون إحدى معجزات القرآن الكريم كونه على ما هو عليه من قوة في اللغة العربية، فمن الميزات اللغوية الموجودة في القرآن الكريم استعمال الفاظ الكناية والتشبيه بكثرة وهذا ما لا تجد له ترجمة دقيقة في اللغات الاخرى.

 

الكلمة الاخيرة

-        يجسد القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين أحد الركنين الذين يشكلان ضمانة الاستقامة في هذه الحياة والوصول الى النجاة يوم القيامة مع الركن الاخر وهم أهل بيت العصمة عليهم السلام.

-        وهو بينهما الثقل الاكبر، الذي عبر عنهما رسول الله صلى الله عليه وآله  بقوله في وصيته للمسلمين قبل وفاته:... ِ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ...

-        وقد ورد في بيان فضل القرآن الكريم ، وقراءته وتعلم احكامه، وترتيله، وحفظه ، والمداومة على قراءة سور معينة في ايام محددة، بل وحتى القراءة اليومية من الثواب العظيم ما لا يحصي قدره الا الله تعالى ، فإن كان الثواب الكبير على القراءة، والترتيل فكيف يا ترى سيكون على التفكر والتدبر الذي يرقى بالانسان الى مراتب عالية من الكمال والمعرفة.

-        نعم نحن بحاجة الى الاهتمام اكثر واكثر واكثر، لأننا مهما بذلنا من جهد في سبيل القرآن الكريم وفهم علومه فإننا نبقى مقصرين، بل وقاصرين عن الوصول الى تلك المراتب المختصة بالراسخين في العلم.

 

 

 

 

 

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!