||   أهلاً بكم في كتاباتي .. زُواراً وقُرَّاء ... مع خواطرَ وذكريات .. مقالات وحكايات ..صور وتسجيلات ..أسئلة وإجابات..مع جديد الاضافات ، أدونها في هذه الصفحات .. مصطفى مصري العاملي   ||   يمكنكم متابعة البرنامج المباشر أئمة الهدى على قناة كربلاء الفضائية في الساعة الرابعة عصر كل يوم اربعاء بتوقيت كربلاء . ويعاد في الخامسة من فجر كل يوم الخميس .   ||  

حكمة الساعة :

قَالَ علي (ع) مَنْ تَرَكَ قَوْلَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ .

البحث في الموقع :


  

الكتب :

  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  •  مناسك الحج والعمرة مع شرح وملحق استفتاءات
  • الطهارة مسائل واستفتاءات
  • كتاب التقليد والعقائد
  • شرح منهاج الصالحين، الملحقات الجزء الثالث
  • شرح منهاج الصالحين، المعاملات الجزء الثاني
  • شرح منهاج الصالحين، العبادات الجزء الاول
  • رسائل أربعين سنة

جديد الموقع :



 أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟

 حديث حول المرجع الراحل السيد الروحاني وبيان ارشادي لمقلديه

 الاعلان عن موعد تشييع المرجع الراحل

 الوكيل العام لسماحة السيد الروحاني قدس سره ينعاه

  رحم الله آبا آمنة.. له مع أئمة الهدى بصمات لا تنسى

 من أهم ما يهدى الى الميت بدقائق

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 لا تغضبوا المتوالي.. ولو قيدته الشريعة..

 لماذا اخر الامام علي (ع) صلاة العصر وكرامة رد الشمس ؟

 كشف حقيقة خالد ابن الوليد !!

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 رؤية الهلال بين اتحاد الافق و اختلاف الافق

 هل قال علي (ع) هذا الكلام ؟كلام منسوب للأمير (ع) بين الإفراط والتفريط

 هل أغاثهم علي (ع) قبل ولادته ؟

مواضيع متنوعة :



 قراءة في وصية عمر الجزء 5 - الحلقة 193

 علي عليه السلام في القرآن ج22- الحلقة 259

 وقفات مع الامام الهادي عليه السلام - الحلقة 148

 الدين عقيدة وسلوك ج6، معنى الدين و الحب ح4

 تهديد الزوجة بالطلاق ج1 - الحلقة 36

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 في ذكرى شهادة الدكتور جمران ...

 المرض القاتل؟

 الدراسات الحوزوية والأكاديمية ج2- الحلقة 21

 خطبة الزهراء عليها السلام بين النساء

 علي عليه السلام وآية الولاية ج19- الحلقة 294

 قراءة في وصية عمر الجزء 1، الحلقة 188

 من البعثة النبوية الى وفاة ابي طالب ، الحلقة 191

 تشريع النبي (ص) وتشريعات الخليفة الثاني ج17 - الحلقة 159

 الحلقة 6 عاشوراء : المواجهة الإعلامية 2

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 3

  • الأقسام الفرعية : 32

  • عدد المواضيع : 685

  • الألبومات : 5

  • عدد الصور : 36

  • التصفحات : 6762056

  • التاريخ : 28/03/2024 - 12:30

 
  • القسم الرئيسي : كتاباتي .

        • القسم الفرعي : مقالات .

              • الموضوع : شهر رجب ، وفيروس كورونا .

شهر رجب ، وفيروس كورونا

                        شهر رجب ، وفيروس كورونا                             

 اليوم هو الثالث عشر من شهر رجب الأصب من عام 1441 للهجرة ، وهو الشهر الذي تصب فيه الرحمة، وهو أول الأيام البيض في هذا الشهر، والتي تتكرر في كل شهر قمري، ويحمل ذكرى ولادة أمير المؤمنين وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو شهر الموالد العطرة، ففي اليوم الأول منه كانت ذكرى ولادة الامام الباقر عليه السلام وفي اليوم الثاني منه كانت ذكرى ولادة الامام علي الهادي حيث يليه ذكرى شهادته في اليوم الثالث، وفي اليوم الحادي عشر منه كانت ذكرى ولادة الامام التاسع من أئمة الهدى الامام محمد الجواد عليه السلام .

وقد جرت عادة المؤمنين من أتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام  للتوجه في هذا الشهر الذي قال عنه علي عليه السلام عليه السلام رَجَبٌ شَهْرِي وَ شَعْبَانُ شَهْرُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ تَعَالَى‏ ، الى المقامات المطهرة لأهل بيت العصمة الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لينالوا شرف الزيارة، وخاصة الزيارة الرجبية المخصوصة التي يزار بها الائمة عليهم السلام والتي ورد في مطلعها الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ، وَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ، إذ من خصائص هذا الشهر، وهو السابع في ترتيب الأشهر القمرية بأنه الشهر الأول من الأشهر الاربعة الحرم التي حرّم الله فيها القتال، وجعل لها احكاما خاصة في الحرب، رغم أنه ينفصل عن بقية الأشهر الحرم بثلاث أشهر أخرى هي شعبان ورمضان وشوال وهي التي تفصل بين رجب وبقية الاشهر الحرم و هي ذي القعدة وذي الحجة ومحرم الحرام.

وكما هو معروف عند المؤمنين فإن لشهر رجب خصوصيات عبادية من صلاة وصوم وادعية وزيارات، يرغب المؤمنون بأداءها لما تترتب عليها من نتائج كبيرة وفق عقيدتنا كأتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام خاصة غداً في يوم المحشر حينما يمتاز أناس عن غيرهم من الخلائق في يَوْم الْقِيَامَةِ عندما ينَادي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ أَيْنَ الرَّجَبِيُّون‏؟

هذا ما نعتقده، وهذا ما درج عليه السلف الصالح من علماءنا تبعا لما ورد عن أئمتنا، أئمة الهدى عليهم السلام، فيسعى كل واحد منا للقيام بشيء ولو يسير مما يرتبط بأعمال الشهر وأبرزها زيارة المعصومين عليهم السلام. فماذا حمل لنا هذا الشهر؟

                                        ***

صبيحة اليوم الأول من هذا الشهر تواصلت مع أخ عزيز من خدمة أمير المؤمنين عليه السلام الذي توجه من النجف الاشرف الى سامراء ليقوم بشرف الخدمة هناك في أيام زيارة الامام الهادي عليه السلام أيام ولادته وشهادته، وبعث لي بصورة من سامراء لا تعكس الحضور المزدحم الذي كان يحصل في السنوات الماضية في مثل هذه المناسبة، وكان صاحبنا يأمل بأن يكثر حضور الزوار في اليوم التالي، وهو ما يدلل على انكفاء عن الزيارة في هذه الأيام من هذا العام؟ فما سبب هذا الانكفاء؟

لا شك أن السبب في ذلك يعود الى ما تناقلته الاخبار عما حصل في النجف الاشرف قبل يومين من تاريخه من إغلاق لأبواب حرم امير المؤمنين عليه السلام الداخلية عند الضريح المقدس مع الإبقاء على الصحن الشريف مفتوحا وذلك ضمن إجراءات وقائية تم اتخاذها من قبل إدارة العتبة المقدسة وحتمت تعقيم الأرض والجدران والشباك المطهر، والأماكن التي يتردد عليها الناس، بعد التثبت من خبر إصابة أحد الزوار الذي تردد لزيارة الحرم المطهر(بفيروس كورونا ) ، وهو من الساكنين في منطقة الحويش بالقرب من الحرم العلوي المطهر فكانت هذه هي الحالة الأولى للإصابة بهذا الفيروس التي يعلن عنها رسميا في العراق، خاصة وأن هذا الزائر المقيم في النجف الاشرف، كان قد قدم حديثا من طهران، مما استدعى نقله الى المستشفى ووضعه في الحجر الصحي في أحد مستشفيات النجف الاشرف قبل نقله بسيارة اسعاف الى ايران.

 وقد ترك هذا الحدث أثرا عند عامة الناس، فحصل اضطراب شديد في الاقوال و الآراء والتعليقات، بين قائل بضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية، وخاصة في الحرم الشريف لاحتمال انتقال الفيروس الى آخرين، ولزوم التعقيم وحتى الاقفال للاماكن العامة ومنها المقامات المطهرة بهدف الحد من الانتشار المحتمل  للفايروس والناتج عن التجمعات والاختلاط بين الناس، وبين من ينتقد هذه الخطوة في المقام معتبرا إياها لا تنسجم مع عقيدتنا بقدسية هذه الأماكن الطاهرة التي تحوي مراقد عدد من أئمة الهدى عليهم السلام والتي لا يمكن ان تكون مركزا لنشر الوباء.

اما صبيحة اليوم الثالث عشر من شهر رجب، فقد تحدثت مع صاحبنا مجددا وكان في مقام امير المؤمنين في ذكرى ولادته مستفسرا عما حصل ويحصل ، فقال بأنه قد تمت إعادة فتح المقام امام الزوار بهذه المناسبة بعد أن تكرر الاغلاق الداخلي لمرتين خلال الأيام الماضية من بداية رجب، وأنهم يقومون بعمليات التعقيم المستمرة في الصباح والمساء ، فما الذي حصل خلال الأسبوعين الماضيين؟

                                  ***

من خلال متابعة الاخبار في الأسبوعين الماضيين اتضح أن انتشار هذا الفيروس قد أخذ منحى تصاعديا على الصعيد العالمي فقد زاد عدد المصابين به على مائة وعشرة آلاف احتلت الصين فيها المرتبة الأولى باعتبار ان مصدره الأول الذي أعلن عنه كان من الصين، وزاد عدد الوفيات على ثلاثة آلاف شخص.

 وكان لإيران الجارة الكبرى للعراق نصيب كبير من هذه الإصابات حيث بلغ البارحة 6566 مصابا، بحيث أصبحت احدى ثلاث دول متقاربة في عدد الاصابات وهي كوريا الجنوبية وإيطاليا، وكل منها يحتل المرتبة الثانية بعد الصين من جهة من الجهات، وكان اللافت في الموضوع أنه عندما بدأ الإعلان الرسمي عن وجود هذا الفيروس في ايران وعن وجود إصابات، كانت نسبة الوفيات قياسا الى عدد المصابين نسبة مرعبة ومخيفة فقد قاربت 20 % في الوقت الذي كانت في بقية دول العالم لا تزيد عن 5 % ، فاحتلت ايران يومها المرتبة الأولى عالميا بهذا اللحاظ، مما أوجد شكوكا كبيرة حول مصداقية ما يتم الإعلان عنه، وهو ما استوجب اطلاق صرخة لكي يتم تصحيح هذا الخلل وتعود الأمور لتأخذ مسارها الطبيعي بعد ذلك، وهو ما أشرت اليه في مقال كتبته بمناسبة رحيل أحد الاعلام البارزة في ايران من مدينة قم المقدسة اثر اصابته بهذا الفيروس بعنوان: هادي خسروشاهي راحل في الزمن المر..

   http://kitabati.net/subject.php?id=657

وما زاد الأمور قلقا هو اعتبار ايران مركزا لانتقال هذا الفيروس الى العراق ولبنان والكويت والبحرين ثم السعودية، كما كانت إيطاليا مركزا لانتقاله الى أوروبا، وعدد من دول العالم، فشكل ذلك هاجسا في اكثر من مكان وخاصة في العراق حيث يقصده عادة أعداد كبيرة من الزوار الإيرانيين في مثل هذه المناسبات المقدسة فكان أن تم الإعلان رسميا عن إيقاف حركة الزائرين للاماكن المقدسة وحصل شبه اغلاق تام للحدود المشتركة بين البلدين.

                                  ***

في ظل هذه الأجواء المضطربة، برز نقاش حاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بين الموالين، حول ما حصل من عمليات تعقيم للمقامات المقدسة، واغلاق لبعضها وتعطيل لصلاة الجمعة في كربلاء وقم ومشهد وغيرها من المدن، وتوسع النقاش على الصعيد العالمي ليشمل موضوع اغلاق بيت الله الحرام في مكة المكرمة امام المعتمرين واغلاق للمسعى بين الصفا والمروة، وكذلك المسجد النبوي الشريف وغيره من الأماكن ، وخاصة في ظل تكاثر أعداد الضحايا من المصابين بهذا الفيروس من شخصيات بارزة على كافة الأصعدة، وغيرها من المواطنين وكان آخرهم في هذا اليوم سبط المرجع الأعلى الراحل السيد الخوئي قدس سره،

وقد زادت حدة هذه النقاشات لتصل في بعض الأحيان، الى اتهامات وتجريح وتشكيك بالعقائد، حيث انقسم المتحدثون الى قسم  يدافع عن هذه الإجراءات ، وقسم آخر ينتقدها ويرى انها تمس بالجانب العقائدي، وتدل على ضعف الايمان،

أضف الى ذلك ما برز من كلام يتناول الحدث ككل و يرى ان انتشار هذا الفيروس على الصعيد العالمي هو عقاب الهي ، نتيجة ابتعاد الانسان عن ربه، وان ما يحصل هو عقاب من الله للناس نتيجة انتشار الفاحشة.

وبالتالي فإن العلاج يكون بالرجوع الى الله وباللجوء الى الدعاء

وهذا التعليل اشترك فيه مسلمون ومسيحيون فالمسلمون ورد عندهم نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله ورد في الكافي يرويه الامام الباقر عليه السلام ويقول فيه ( َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَمْسٌ إِنْ أَدْرَكْتُمُوهُنَّ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَ الْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوا...)

واما المسيحيون فقد تحدث البارحة بكل وضوح وصراحة الكاردينال الراعي في عظة الاحد فكان مما قال: ( ومخاوفُنا كبيرةٌ ... من انتشار وباء Corona الّذي يجتاح العالم بشكل مرعب، ووصلَ إلى لبنان كما تعلمون. وبدا مدى عجز الطِّبِّ عن إيقافه، على الرَّغم من كلِّ المحاولات. فلا بدَّ من أن نقصد الطَّبيب الإلهيَّ .... وتشفُّع .... مريم العذراء، سيِّدة لبنان، الّتي نلتجئ إلى حمايتها ونناديها: "يا شفاء المرضى، يا ملجأ الخطأة، يا سيِّدة المعونات، يا حامية المؤمنين، يا أمًّا حنونة" وسواها من الألقاب.

 إنَّ هذه المعاناة والمخاوف تستدعي منَّا العودة إلى الله، بالتَّوبة الصَّادقة، والاعتراف بخطايانا، والصَّلاة والصِّيام والتَّواضع؛ كما تستدعي الإقرار بمحدوديَّتنا وبكلِّيَّة قدرته. لقد ازداد عندنا وفي العالم الاستغناء عن الله وكلامه ووصاياه في الحياة اليوميَّة، فوُضع جانبًا ليُحلَّ محلَّه الاعتداد بالنَّفس والمال والسُّلطة والجاه والسِّلاح والنُّفوذ السِّياسيّ والأنانيَّة وعدم الاكتراث واليأس..) هذا ما قاله البطريرك الماروني.

 

هذا الاضطراب الحاصل يفتح الباب أمامنا لطرح اسئلة محورية علينا إيجاد أجوبتها:

1- لماذا هذا الاضطراب والتناقض في الآراء؟ أين هي الحقيقة في ذلك؟

2- ما هي الموازين التي علينا اعتمادها لمعرفة ما يجب علينا فعله؟

3- هل يتعين علينا ترك المقامات مفتوحة ومن دون تعقيم حفاظا على قدسيتها؟ أم نفتحها بعد القيام بعمليات التعقيم ؟ أم يتعين علينا اغلاقها، حفاظا على سلامة الزائرين؟ وما هو المتعين على المكلفين القيام به في هذه الأجواء؟

وباختصار.. ما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

إذ لا يمكن ان يكون كلا الرأيين على صواب لأن صحة احدهما تنفي صحة الاخر.

وجوابا على هذه التساؤلات أود أن أبين ما يلي:

أولا: إن هذا الاضطراب الحاصل بين المؤمنين هو نتيجة خلط عند عدد من الأعزاء بين المفاهيم العقائدية، والتكاليف الشرعية العملية، وهذا الخلط أنتج هذا الاضطراب في مورد السلوك العملي الذي وصل الى حد التراشق والتجريح بين الطرفين.

علما أن المفاهيم العقائدية لها مدلولاتها التي تترتب عليها، والتكاليف العملية لها قواعدها وضوابطها الشرعية، ولا يمكن ترتيب اثر احدهما على مقدمة الاخر..

 فالمفاهيم العقائدية لها مقدماتها، ولها نتائجها..

والتكاليف الشرعية لها مقدماتها ولها نتائجها..

ولا يمكن الربط بينهما الا وفق سياق خاص محدد يوصل الى التكامل لا الى التناقض فإن حصل تناقض ما فمعنى ذلك أن هناك خللا بين المقدمات والنتائج.

وهذا الاضطراب كما اسلفت لم يحصل بين أتباع مدرسة أهل البيت فحسب ولا بين المسلمين فقط بل حصل حتى بين المسيحيين، فقد قرأت منذ أيام مقالا للخوري طوني الخوري يقول فيها: (اعتَدنا ونحن صغار، أن نذهب إلى حقلِنا الكائن قُرب بيتنا ونتسلّق الشجرة الأعلى فيه، ونُلقي بِأنَفسِنا إلى الأرض ونحن نُرَدِّ العبارة التالية: "إمّي كبّتني والعدرا استلقّتني". كُنّا نُعرِّض أنفسنا للخطر الشّديد ظنّاً منّا بأنّ ​العذراء​ مريم سوف تُنَجّينا فلا نتأذّى. ولكن ما كان يحدث لَم يكُن على قدر ما كنّا نتوقّعه من العذراء؛ فمنّا مَن كان يقع على رأسه ويُصاب بارتجاجٍ دماغيّ، ومنا مَن كان يقع على يده فتنكسر، ومنّا مَن تحطّمت رِجلُه، ثم يقول في مقاله: فالحكمة تقتضي بأن ينأى الإنسان بنفسِه عن الخطر المُميت من دون أن يعني ذلِك ضُعفاً في الإيمان ونقصاً في الروحانيّة. هذا ما يجدر بِنا أن نَعيَه. لقد أعطانا الله عقلاً وسكب فيه أنوار حكمته لكي نتدبّر أمورنا ونُميّز به الخير من الشّر ونبتعد عن الشرّ. الإيمان والحكمة صِنوان لا يفترفان،

ثم يقول: للأسف الشديد، نقرأ على صفحات التواصل الإجتماعي التعليقات والردود ذات الصِلةٍ بالوباء الفتّاك، لا ترقى إلى مستوى الإيمان العاقل ولا إلى مستوى الطّاعة للكنيسة المُعلِّمة، وينطبق عليها المَثل القائل "كلّ مين إيدوا إلو". هناك صبيانيّة في التعاطي مع الخطر الذي، إن لَم ننتبه منه، سيفتك بِنا لا محالة. لست أدري أين هي الحكمة من أن نُعرّض أنفسنا لخطر الموت ونُعرِّض المؤمنين معنا للخطر نفسه، بحجّة أنّ عندنا قديسين في ​لبنان​ لا يتركوننا! وبحجّة أنّنا نتناول جسد ​المسيح​ الذي يقهر المرض! أليس للإيطاليين والكوريين والإيرانيين والصّينيين وغيرهم من شعوب الأرض، قديسين وأولياء يشفعون بِهم، أم هؤلاء كلّهم أبناء الغريبة؟ )

هذا ما يدلل على ان النقاش ليس منحصرا عند جماعة دون غيرها.

ثانيا: لا بد لنا من أن نبحث الموضوع لتحديد الموازين من جانبين، عقائدي و شرعي.  

الجانب العقائدي: مما لا شك فيه أن اعتقادنا بأئمتنا ومكانتهم الرفيعة والكرامات التي تحصل نتيجة التوسل بهم هي من الأمور التي لا تقبل الشك او التشكيك، فهي من الأمور الثابتة الراسخة عند الموالين، خاصة عندما يتكامل الجانب النظري مع الجانب العملي من خلال ما يتلمسه الكثيرون في عدد من المناسبات التي تظهر فيها الجوانب الاعجازية للكرامات التي يمنحهم الله إياها بتحقيق غرض المتوسلين، ومن ابرزها ما ورد بنص صريح عن ميزة منحها الله تعالى لسيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام من كونه أعطي أمورا منها: الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته.

وهذا يعتبر حقيقة راسخة عند عموم المؤمنين قديما وحديثا وفي كل الظروف، ولا يشذ عن هذا الاعتقاد الا من ضعفت بصيرته، واختلت عقائده، وقد تلمست واحدة من حقائق هذا الايمان دونتها منذ سنوات في مقالة خاصة بعنوان : شكرا سيدي يا حسين.

http://kitabati.net/subject.php?id=132

ولكن حصول ذلك لا يكون وفق عقيدتنا إلا على نحو الاعجاز والكرامة الخاصة، لا أنه أمر متاح للجميع على نحو العلة التامة.. إذ هناك ما يمنع من تحققها، سواء كان ذلك لعدم المقتضي كما يقال في علم المنطق او لوجود المانع من الاستجابة.

وبغض النظر عن كل هذه التفصيلات والجزئيات فإن من الثابت عند الجميع من الناحية العملية أن هناك أدعية تستجاب، وأدعية لا تستجاب، إذ ليس كل من دعا استجيب له، وليس كل من طلب اعطي.

وبهذا يتضح الجواب على من يقول من باب التشكيك، مثلا ان هناك من يأتي لزيارة الائمة عليهم السلام فيدعوا ولكن لا يستجاب له، وهناك من يستشفي بتربة الحسين عليه السلام ولا يتحقق له الشفاء.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نقول:

إن القدسية هي لصاحب المقام وليست  بالأمور المادية الخارجية  مقياسا لهذه القدسية، فسواء كان المقام بناء عامرا، و الضريح مكسو بالذهب والفضة كما هو الحال في مقام امير المؤمنين والحسين والكاظمين  والرضا، والعسكريين عليهم السلام ،

ام كان ترابا ليس فوقه شيء من البنيان كما هو الحال في أئمة البقيع واضرحة الائمة هناك الحسن المجتبى وزين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام.

فقدسية كل إمام منهم ذاتية ولا تقاس بالبنيان وحجمه وكيفيته وبمقدار الذهب والفضة، فإن عدم وجود هذه الأشياء لا يقدح بقدسية الائمة عليهم السلام بشيء، إذ أن الامور المادية تأتي وتذهب وتتبدل، وليست لها قيمة ذاتية الا بقدر نسبتها إليهم عليهم السلام، وكما قال الشاعر:

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى        أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

                وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي       وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

  وهذه الأشياء يطرأ عليها التغيير والتبديل، وتتعرض للنهب والسلب كما حصل عبر التاريخ، كما يمكن ان تتعرض لطروء النجاسة عليها، وغير ذلك مما يمكن أن يصنعه أو يضعه الانسان او غيره.

فإذا طرأت عليها نجاسة او علاها غبار فإننا ننظفها او نطهرها وهذا لا ينتقص من قدر من تنسب اليه، وبالتالي فلا مانع من أن تنتقل اليها أو عبرها الفيروسات، باعتبارها أمورا مادية خارجية، لا ترى إلا بالمجهر، فهي بذاتها لا تعني شيئا.

فالنتيجة أنه وفق الميزان العقائدي، لا يمكننا أن نورد إشكالا على من يرى لزوم تعقيم الشباك والاضرحة لمقامات المعصومين (ع) ولكن ماذا من الناحية الفقهية؟

الجانب الفقهي التشريعي: لمعرفة الميزان الفقهي التشريعي لا بد من بيان مقدمتين:

المقدمة الأولى.. لدينا حكم فقهي يتعلق بالمساجد، ويتلخص بعدم جواز تنجيسها، بل وبوجوب إزالة النجاسة الطارئة عليها فورا، وهناك بحث عند الفقهاء حول وجوب إزالة النجاسة من المسجد قبل الشروع بالصلاة، فلو شاهد المصلي نجاسة ولم يبادر الى إزالتها وشرع في الصلاة، فهل تقبل صلاته ام تكون باطلة؟ لأنه شرع بأداء واجب موسع وترك واجبا مضيقا.

وهذا الحكم للمساجد يُسرّيه فقهاءنا الى مقامات الائمة المعصومين عليهم السلام، فيجعلون للمقامات حكم المساجد، ولذا لا يجيزون دخول الجنب والحائض اليها تبعا لحكم المساجد، وهذا الحكم مختص طبعا بمقامات المعصومين دون غيرهم.

ولذا نلاحظ في المقامات المشرفة ان هناك تمديدات خاصة لشبكات الماء بهدف التطهير السريع وهو ما يراه كل زائر عندما يبادر الخدم في الحرم المطهر الى فرض طوق على مكان يعتقدون حصول نجاسة فيه فيمنعون الزوار من الاقتراب ويعملون على تطهير تلك البقعة بالماء حتى لو استدعى الامر في بعض الأحيان غسلا شاملا للأرض في حال عدم حصر مكان النجاسة، أو إغلاقا للمقام او جزء منه لحين الانتهاء من اعمال التطهير.

المقدمة الثانية: مما يحكم به الفقهاء بالنسبة للمقامات إضافة الى ما سبق من عدم جواز التنجيس او إبقاء النجاسة هو عدم جواز هتك حرمة المقامات الشريفة، باعتبار ان هتك حرمتها هو هتك لحرمة الامام المعصوم، والامام المعصوم وفق عقيدتنا هي حي، كالشهداء الاحياء، وأنه يسمع الكلام ويرد السلام، وأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، وبالتالي فهم لا يجيزون مثلا التقدم على الرأس الشريف بالصلاة باعتبارها هتكا للحرمة، ومن باب أولى لا يجيزون إدخال القاذورات لتلك المقامات حتى لو لم تكن نجسة، لما في ذلك من انتهاك لحرمة صاحب المقام، ومن ذلك أيضا عدم السماح بحمل الحذاء الى داخل الحرم  في أغلب الأحيان، بل يطلب من الزائر ان يضعه في مكان مخصص لذلك، مع أنه ليس بنجس، وليس من القاذورات، ولكن من باب الحفاظ على قدسية المكان فلا يسمح بدخول مثل هذه الأشياء.

ولذا نجد انه في بعض المقامات وخاصة في فصل الصيف هناك من يرش المعطرات في الداخل لكي تبقى الروائح طيبة وزاكية، ولا يتأثر الزوار ببعض الروائح التي قد تحصل نتيجة الازدحام في فصل الصيف.

وبهذا يتضح لنا أنه وفق الميزان الفقهي فإن من الواجب على المكلفين الحفاظ على طهارة هذه الأمكنة المقدسة والمبادرة الى تطهيرها فورا من النجاسات المادية التي قد تطرأ في حال حصولها، كما يتعين عليهم أيضا عدم القيام بأي عمل يؤدي الى توهين صاحب المقام.

ثالثا: من الواضح أن الهدف من تعقيم المقامات هو المنع أو التقليل من احتمالات انتقال هذا الفيروس من إنسان الى انسان، باعتبار ان الاضرحة المطهرة هي أمكنة يقصدها المؤمنون ويقبلونها بهدف التبرك أو تعبيرا عن الحب .

و بعد أن اتضح لنا مما سبق بيانه وجوب إزالة النجاسات المادية عن المقامات ، فإن من الواضح أيضا أن (فيروس كورونا) هو في طور الانتشار المتواصل في هذه الأيام، ولا يوجد علاج لمن يصاب به، بل أنه يؤدي الى وفاة من يصاب به إن كان مستوى المناعة عنده ضعيفا، بل أن آخر الدراسات التي نشرت لعلماء لصينيين قد ذكرت أن الفايروس قد طور نفسه أخيرا فصار منه نوعان احدهما أشد وأخطر من الآخر، وأن هذه هي حقائق علمية أصبحت متاحة ومنشورة و لا ينكرها عاقل.

وبالتالي فإن الحفاظ على أرواح المؤمنين هو من أولى الواجبات وهو أعلى من مرتبة الحفاظ على الطهارة المادية من النجاسات، فإن كانت النجاسة المادية في المقامات ضمن الشبهة المحصورة مما يجب العمل على تطهيره مع أنها لا توصل الى خطر يصيب حياة مؤمن، فما بالك بما يمكن أن يؤدي الى هلاك بعض المؤمنين،

أليس في تركه تسبيبا للهلاك؟ ثم أليس درء الخطر المحتمل عقلائيا في مثل هذه الموارد هو أولى من أي شيء آخر؟

واعطي مثالا على الشبهة المحصورة ووجوب إزالة النجاسة ما لو افترضنا ان مائة زائر أو الف زائر قد دخلوا معاً الى المقام المطهر لأحد المعصومين عليهم السلام، وعلمنا أن نجاسة مادية كانت على قدم أحدهم وقد انتقلت الى ارض الحرم المطهر، دون أن تظهر لنا آثارها، فتنجست الأرض من قدم هذا الزائر، وبالتالي صار لدينا علم يقيني بنجاسة محصورة في دائرة هذه البقعة، و بالتالي فهي من مصاديق الشبهة المحصورة فيجب حينئذ على المكلفين العمل على تطهير كل تلك البقعة لنحرز تحقيق الطهارة بعد ان تيقنا من وجود نجاسة في تلك دائرة محصورة.

فلو خالفنا ذلك وأهملنا إزالة النجاسة لوقعنا في المحذور الشرعي.

لذا نستطيع القول أنه يجب تعقيم هذه الأمكنة لدرء الخطر المحتمل ، باعتبار ان الفايروس هو أمر مادي خارجي ولكنه لا يرى الا من خلال الأجهزة الخاصة، فيجب العمل على إزالته كما يجب العمل على إزالة النجاسة غير المرئية في الشبهة المحصورة كما أسلفت.

وعندما ترتفع نسبة الاحتمالات لنقل هذا الفايروس فلا يمكن الاكتفاء بمجرد التعقيم، لأن انتقاله يحصل من خلال الاحتكاك المباشر عبر رذاذ يخرج من الفم، او نتيجة عطاس او مصافحة ليد انتقل اليها الفايروس، وبالتالي في مثل هذه الحالات فإنه يتعين من الناحية الشرعية اغلاق هذه الأماكن أيضا لوجود الخطر الراجح عقلا.

وحسنا فعل القيمون عندما اعلنوا الغاء صلاة الجمعة وصلاة الجماعة وبقية الاحتفالات والأنشطة في هذه المناسبات، فدرء المفسدة المحققة بزيادة انتشار الفايروس أولى من جلب المصلحة الحاصلة من تحصيل ثواب صلاة الجمعة وغيرها من الاحتفالات والنشاطات وفق القاعدة الشرعية التي يعتمدها الفقهاء.

وأية مفسدة أعظم من التسبب بهلاك مؤمن نتيجة اصابته بهذا الفيروس.!

وبالتالي فقد اتضح مما مر بيانه أن ترك هذه المقامات مفتوحة وبدون تعقيم والذهاب اليها دون اخذ الاحتياطات اللازمة هو استهتار بحياة المؤمنين، وجهل بضوابط الشريعة.

 وأن الشبهات التي يمكن الارتكاز عليها لا أساس لها، كما مر بيانه، فليس في ذلك توهين لأصحاب المقامات، ولا انتقاص من قدرهم، بل على المؤمنين تكليف عيني بوجوب الحفاظ على أنفسهم.

ولا يقاس ذلك بموارد الحث على زيارة الحسين عليه السلام في حال الخوف والخطر لأن لزيارته عليه السلام في تلك الحالة بعدا عقائديا يستوجب من المؤمنين التضحية عندما يحاول الأعداء منع زيارة الحسين عليه السلام.

أما فيما نحن فيه فالموضوع يتعلق بتكليف شرعي يوجب علينا إزالة هذا الفايروس، وعلى الأقل عدم تمكينه من أن يفتك بالمؤمنين من خلال العزل الاختياري عن الأماكن الذي يعلم او يتوقع كونه قد وصل اليها.

رابعا: يتعين على المؤمنين في هذه الحالة العمل بكل مسؤولية من اجل الحفاظ على أرواح المؤمنين، وعدم التساهل في ذلك، لأن التساهل في بعض الموارد يوصل الى موت أناس ولو من باب التسبيب، ومن يتسبب بموت انسان مؤمن فهو ضامن من الناحية الشرعية. وليس في الامتناع عن الاجتماعات، انتقاص مما تمثله او ترمز اليه، وليس فيها تركا لواجب شرعي عيني،

ولا يصح الخلط بين المفهومين العقائدي والفقهي، لأن هذا العمل الاحترازي هو تكليف موجه الى جميع المكلفين في ظل الظروف الحاصلة،

ولو قال قائل أن في ذلك توهين وملاك رفع التوهين يكون مقدما ، على ملاك رفع الخطر المحتمل من الفايروس،

وجوابا على ذلك نقول: أنه مما لا شك فيه ان النجاسات هي أمور مادية لها حقيقة خارجية ترتكز على وجود عدد محدد مما اعتبرته الشريعة نجسا، وهي النجاسات العشر او الاحد عشر،  وتترتب عليها آثار وأحكام فقهية.

أما موضوع التوهين فهو أمر معنوي وليست له حقيقة مادية خارجية كما هو الحال في النجاسة، وبالتالي فالامر المعنوي هو ضعيف المؤونة، فهو يستنتج من اعمال مادية خارجية، وبالتالي فقد يكون هناك تطابق عقلائي على اعتبار عمل ما أنه توهين كما في حال الإهانة مثلا او السباب وغيرها،  وقد يكون هناك اختلاف على أمر آخر بين من يعتبره توهينا وبين من لا يرى فيه توهينا، و قد يلحظ فيه القصد، إذ أن نفس العمل قد يكون توهينا بقصد، وتكريما بقصد آخر، وهكذا.. ومع عدم القصد او العلم فلا اثر له، لذا لو صلى شخص امام الرأس الشريف دون ان يكون ملتفتا الى انه توهين لما ترتب اثر التوهين على صلاته ولحكم بصحة صلاته، وهكذا.

فالتوهين أمر اعتباري ليست له حقيقة واحدة كما هي الحال في النجاسات.

والنتيجة: هي أنه مما لا شك فيه أن حياة المؤمنين والحفاظ عليها ودرء الاخطار المحتملة  هي أوجب من إزالة النجاسة الخبثية لأن كل القيود التي فرضتها الشريعة بضرورة الالتزام بموجبات الطهارة البدنية تسقط امام الحفاظ على حياة الانسان أو صحته، لذا نجد ان الشريعة الغراء الغت الغسل او الوضوء في مورد الضرر الجسماني واستعاضت عنه بالتيمم، واعتبرته طهارة.

 و مما لا شك فيه أن هناك فيروسا يصيب البشر بدأ ينتشر في جميع انحاء العالم، وله سرعة انتشار بين الناس ، ويمكن ان ينتقل من انسان الى انسان من دون ان تظهر عوارض الإصابة على الأول، وله القابلية ان ينتقل من الثاني الى الثالث ومنه الى الرابع وهكذا ، فيكون كل واحد منهم كالموصل الكهربائي الذي ينقل الطاقة من خط الى خط آخر، الى ان يصل الى مكان استخدام الطاقة، فتتحقق الإصابة المؤذية التي يمكن ان توصل الى الوفاة، ولم يصل الأطباء والمختصون الى علاج لهذه الحالة، لحد الان، وليس امام الناس من وسيلة الا بالوقاية ، سواء كان ذلك بالتعقيم للاماكن التي يحتمل ان يكون قد دخلها بعض المصابين، وبعزل المصابين لكي لا يخالطوا الاخرين، وهذا ما يمنع انتقال الإصابة من مصاب لا تظهر عليه العوارض الى سليم يتأثر بها او ينقلها لغيره.

بعد بيان هذه المقدمات يتضح لدينا ان الحكم الشرعي في ما نحن فيه هو وجوب الوقاية التامة التي تعني وجوب تعقيم أي مكان نعلم بدخول مصاب اليه وبأرجحية أي مكان فيه احتمال راجح، وبالتزام المكلفين بالارشادات والتعليمات التي تصدر من المختصين، وتهدف الى الحد من انتشار هذا الفيروس حتى في مورد تعارضها مع أمور راجحة شرعا، لأن درء المفسدة أولى من جلب المنفعة.

وهل من مفسدة أكثر من تسبيب هلاك المؤمنين، بلا ثمرة راجحة شرعا.. فالمؤمن يكون مستعدا للتضحية بدمه دفاعا عن الدين والعقيدة، أما عندما يكون عرضة للهلاك بلا ثمرة راجحة فيكون من مصاديق التضحية المذمومة والتي يسأل عنها الانسان.

وهذا لا يتناقض ابدا مع ما نؤمن به من الناحية العقائدية بقدسية ائمتنا عليهم السلام ومقاماتهم الرفيعة .

ولا  يصح الخلط بين المفهومين العقائدي والتكليفي، ولا يصح ان نرتب اثر احدهما على الاخر، فعقيدتنا بأئمتنا لا تعني اسقاط التكليف الشرعي المتوجب علينا، وما ذكرناه كنتيجة للمقدمات السابقة هو ان علينا تكليفا شرعيا في هذه الحالة يوجب علينا إزالة الأسباب الموجبة لنقل المرض الذي يمكن ان يصيب المؤمنين، وهذا تكليف يتعلق بأمر خارجي يتعين علينا الالتزام به ، ولو أهملنا ذلك لوجب علينا العقاب، ولكنا مقصرين او مهملين، او مسؤولين عما يحصل.

نسأل الله تعالى ان ينير بصيرتنا لنعي تكليفنا ونتدارك ما نقع فيه من أخطاء، ونعذر بعضنا البعض ولا نتبع أهواءنا ونجعلها ميزانا للاحكام

                                                13 رجب الأصب 1441

                                                مصطفى مصري العاملي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/10   ||   التصفحات : 4346



كتابة تعليق لموضوع : شهر رجب ، وفيروس كورونا
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

كتاباتي : الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي ©  www.kitabati.net     ||    البريد الإلكتروني : mostapha@masrilb.net    ||    تصميم ، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net