• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : خواطر .
                    • الموضوع : قري عينا يا ام سامي في ليلة القدر .

قري عينا يا ام سامي في ليلة القدر

قري عينا يا ام سامي في ليلة القدر

سألني والدي وانا اتحدث معه مساء امس عبر شبكة الانترنت قائلا:

هل تعرف هذا اليوم؟؟

حبست دمعة في عيني وأجبته قائلا.. نعم إنه ليلة المعركة...

فكرت في نفسي قائلا.. ماذا يريد الوالد أن يقول لي؟

ليس من عادته أن يذكرني بتواريخ حملت جرحاً في القلب لم يبرء رغم مرور السنين، إنه الصابر الذي حبس دمعته في أصعب المواقف.. وقال للقتلة في زمن الاقتدار.. عفا الله عما مضى.. كما كان العفو عن حبشي ..

حشرجة صدره أسمعها في طي كلماته عندما نمر في بعض المناسبات نحو المقبرة وهو يقرأ سورة ياسين..

لم يكن ينس ابدا أن يعرج من قبر فاطمة نحو قبر أبي سامي.. يتنهد قائلا.. رحمك الله يا ابا سامي..

هذا كل ما كنت أسمعه من أبي طوال السنوات الثمان والعشرين المنصرمة، فماذا يريد أبي أن يقول لي هذا اليوم؟

نبرة صوته هذا اليوم ليست ككل يوم أحادثه فيها..

سألته عن صحة الوالدة.. فأجاب إنها تقرأ القرآن عن روح أم سامي..

فهمت حينها.. ما يريد أن يخبرني به الوالد..

لقد عاشت ام سامي ثمان وعشرين سنة بعد أبي سامي.. لتنتقل الى جواره في ليلة القدر في اليوم الذي سقط فيه مضرجا بدماءه..

لقد بقي في السيارة من عصر السبت الى مساء الاحد.. بعد أن سرقت مسبحته التي كانت تلفت الانظار..

سألت والدي عن أم سامي هل أنها مرضت قبل وفاتها..

أجابني أنها كانت لا تزال تلاطف أحفادها حتى ساعتها الاخيرة التي لفظت فيها روحها مبتسمة في نفس المكان الذي أحرق قبل ثمان وعشرين سنة..

يا الهي.. كم أنت رحيم بعبادك.. هل كانت أم سامي تحلم بميتة في وقت أفضل من هذا التوقيت؟

في العام الماضي قمت بزيارة مع الوالد الى أم سامي التي تحمل كل الطيبة التي كان يتصف بها المرحوم خال والدتي.. الحاج عبد المحسن.. لقد أخذت أكثر صفاته التي يذكرها له كل من يعرفه..

راحت تحدثني عن ذكريات تسبق زمان ولادتي.. تحدثني عن والدي وعن والدتي وعن عرسهما.. تحدثني عن جدي وجدتي وخالي وعن وعن ...

وعندما يمر ذكر ابي سامي في الحديث.. تتنهد.. وتخنقها العبرة ، ثم تنقلنا الى حديث آخر..

بالطبع لم يغب ابو سامي عن بالها طوال تلك السنين..

اختارت الاقامة مع ابنها في نفس البيت التي عاشت فيه مع ابي سامي والذي كان شاهدا على عبرة لمن يعتبر..

                         ***

عصر السبت 12 أيلول من عام 1981 م كان أبو سامي جالسا كعادته عند أبي جميل بانتظار ان يأتي الشيخ مشيا من منزله نحو المسجد لأداء صلاة المغرب والعشاء..

في الخامسة والربع عصرا ( قبل اعتماد التوقيت الصيفي) كان الموعد اليومي قبيل صلاة المغرب الذي يصل به الوالد الى جامع الشيخ عبد الله..

لقد تجاوزت الساعة الوقت ولم يصل الشيخ..

يستشعر حالة غير طبيعية .. وما هي الا دقائق حتى يسمع صوت قذيفة ورشقات رصاص .. يصعد ابو سامي مع أبي أكرم بسيارة الاخير الذي يتجه على الشارع العام متجاوزا مفترق المسجد ويتجه يمينا نحو منزله إذ أنه يصير قريبا من هناك من منزل ابي سامي.. ولكن بمجرد أن ينحرف يمينا وهو لا يبعد عن المسجد اكثر من مائة متر.. حتى تخرج مجموعة مسلحة ويشرع عناصرها بإطلاق النار باتجاه ابي سامي عن مسافة لا تتجاوز الامتار الثلاثة....

تتوقف السيارة ويبقى ابو سامي فيها ويخرج ابو اكرم بعد اصابته اصابة يسيرة في يده..

وتندلع معركة تستمر ثمان وعشرون ساعة..

هجوم نحو المسجد والنادي الحسيني من جهة .. وهجوم نحو منزل الشيخ من جهة اخرى ..

وتتوقف المعركة في مساء الاحد .. لتقدم بلدة أنصار في ذاك اليوم  أبا سامي وفاطمة  قربانا سيبقى شاهدا عبر التاريخ...

                                ***

لقد تحدثت في مقالات سابقة عن تلك المعركة ، وعن حرق المكتبة ، واصابة المسجد والنادي الحسيني وشواهد قبور الجبانة.. وعن حرق البيوت، وعن فاطمة الشهيدة ابنة الستة عشر ربيعا..

ولكن لم أتحدث بالتفصيل عن ابن السبعين عاما الذي لم يسلم من بيته سوى المصحف الشريف وما تحته من أموال التبرعات..

نعم كما أنني لا أزال أحتفظ بصورة فاطمة التي شوهتها أيدي الغدر.. ولا تزال صورتها ماثلة أمامي ، فإنني أحتفظ بصور بيت ابي سامي المحروق ..

كان ابو سامي لا يزال مضرجا بدماءه في السيارة حتى قامت جماعة بالدخول الى بيته وأشعلوا به النار..

ولكن ما لا يعرفه اولئك الذين دخلوا البيت عن أبي سامي والذي كان عضوا في اللجنة المالية التي كانت تساهم بجمع التبرعات من أيام السيد موسى الصدر.. وكان ابو سامي هو من يتولى ذلك في بلدتنا .. يجمع التبرعات، ويوزع الى العوائل المستورة ما يستطيع  جمعه، ويؤمن ما يحتاجه الشباب في تلك الايام..

نعم سافرت واياه مرة الى الامارات وكان هدفه ان يحضر معه سيارة لكي يستعملها المقاتلون  ، لقد اشتراها وقادها من الامارات الى أنصار..

كان رغم كبر سنه يتمتع بهمة تفوق همة الكثيرين من الشباب..

كان ابو سامي يضع ما لديه من اموال تحت المصحف الشريف في غرفة الجلوس التي توفيت فيها ام سامي..

لقد شاهد الداخلون المصحف ولكنه لم يكن يعني لهم سوى انه رمز لما يعتبر عندهم أفيون الشعوب..

احترق المنزل حتى الجدران، واحترقت الكراسي واحترقت الطاولة التي عليها المصحف..

وكانت المفاجأة التي شاهدناها بعد المعركة .. هي بقاء قطعة من خشب الطاولة  التي تحمل القرآن وقد سقطعت على الارض بعد ان احترقت ارجل الطاولة، ولا يزال القرآن سليما، وتحته ما كان ابو سامي قد جمعه من اموال وتبرعات..

هذا المصحف ذو الخط الكبير.. كان مصحف فاطمة وأهدته يوما الى ابي سامي عندما طلب نسخة مصحف ذو خط كبير..

قدمت اليه فاطمة مصحفها .. ليرحلا معا في ليلة واحدة.. في قضية واحدة.. ويبقى المصحف شاهدا.. وبما سلم من الحريق عبرة..

رحمك الله يا ابا سامي.. ها هي أم سامي قد انتقلت الى جوارك في هذه الليلة في ليلة القدر بعد ثمان وعشرين سنة..

ما أسعد أم سامي في ميتتها في هذا التوقيت.. وهي التي وصفها الوالد بقوله: إنها (آخر الحناين).

أم سامي.. لقد زرت ابنة موسى الكاظم نيابة عنك مساء أمس..

وصليت لك ركعتي الهدية هذا المساء..

الى روحك.. والى روح ابي سامي .. والى روح تلك التي ترقد بالقرب منكما .. فاطمة .. اليكم جميعا اهدي ثواب الفاتحة التي أقرأها بدموعي قبل أن ارددها  بلساني..

أقرأه وأنا أستمع الى الدعاء الذي يختم به السيد نصرات في هذه اللحظات في الحسينية الكربلائية في الكويت دعاء التوسل بالقرآن وترافقه في رحلته هذه  ابنتي التي حملت اسمك يا اختاه..

كانت ابنتي هذه اولى الفواطم الخمس بعد رحيلك..

لقد تألمت والدتك كثيرا لفراقك.. ولكن الله رزقنا بفاطمة بعد عام..

وتوالت الفواطم .. أخيك التوأم سمى فاطمة..

وأختك سمت فاطمة..

وابنتي التي فرحتِ بها كثيرا سمّت ابنتها فاطمة..

وابني سمى فاطمة.. وفاطمة هذه تحمل اسمك الثلاثي الكامل..

ما أشد أنس والدتي بالفواطم.. ولكن لا أحد يأخذ مكانك اختاه..


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=98
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3