الحلقة الثانية من برنامج "أئمة الهدى"
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مشاهدينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.
قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
تساؤلات حول أولي الأمر:
-
من هم هؤلاء الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله؟
-
هل أنهم كل من وصل إلى السلطة؟ أو ورث سلطة؟
-
هل هم من ارتكبوا الجرائم وسفكوا الدم لينالوا سلطة؟
-
أم أنهم أعدل الخلق، وأفضل الخلق، وأكمل الخلق، وأعرف الخلق، وأعلم الخلق، وصفوة الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم أئمة اختارهم الله تعالى؟
محور حديثنا في هذا البرنامج موضوع تباينت حوله الآراء وتجاذبت حوله الأهواء وتعددت التفسيرات وتباينت المنطلقات. ولكن من بين كل تلك التجاذبات يبرز شعاع هداية يبدد لنا تلك الظلمات، ويرسم حدوداً لتلك الاختلافات، ويسقط كل تلك التأويلات: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
مشاهدين أعزاء، أحييكم أطيب تحية في لقائنا المتجدد مع برنامج "أئمة الهدى"، والذي نتابع فيه معكم رحلة من البحث والنقاش العلمي والموضوعي، المرتبط بالآيات الكريمة التي وردت في حق أهل البيت عليهم السلام، والأحاديث النبوية الشريفة التي تأمر بالتمسك بهم وتبيّن مكانتهم.
ضيفنا الدائم في هذا البرنامج: الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية، سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، والذي نرحب به في بداية البرنامج.
المقدم: أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ ضيفاً عزيزاً على قناتكم قناة كربلاء الفضائية.
الشيخ: أهلاً وسهلاً بكم، حفظكم الله ورعاكم وسدّد خطاكم.
المقدم: حياكم الله سماحة الشيخ وأهلاً ومرحباً بكم. نعود وإياكم مع المشاهدين الكرام، سماحة الشيخ، إلى فقرة ما نقلتموه في بداية الحلقة السابقة من خطبة الزهراء عليها السلام. ولكن قبل أن نبدأ بهذه الخطبة أو بهذا المقطع من الخطبة، نحب أن نعود إلى مشاهدينا الأعزاء ونخبرهم بأن إن شاء الله هناك اتصالات وسوف تظهر أرقام الاتصالات على الشاشة بعد دقائق معدودة إن شاء الله، ونستلم اتصالاتهم ومداخلاتهم حول هذا المحور وهذه المقدمة من الأسئلة التي بدأنا بها البرنامج.
طاعة الإمامة: نظام للملة وأمان من الفرقة
المقدم: نعود إليكم سماحة الشيخ. قالت الزهراء سلام الله عليها في خطبتها: "وجعل طاعتنا نظاماً للملة وإمامتنا أماناً للفرقة".
هذا عنوان واضح وصريح يرسم نمط العلاقة بين هذه الأقانيم. طاعة إلهية مفروضة ترسم نظام حياة الأمة عبر إمامة جعلها الله أماناً من الفرقة. كيف لنا سماحة الشيخ أن نربط بين هذه الطاعة المجعولة حسب كلام الزهراء عليه السلام، وبين الأمر القرآني: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾؟
ولكن قبل ذلك، كيف لنا أن نفهم حدود هذا الأمر الإلهي ودائرة تطبيقه في سياق الآيات المتعددة التي وردت في القرآن الكريم، وأشرتم إليها في نهاية الحلقة الماضية والتي تحمل هذا النموذج من الأمر؟ تفضلوا سماحة الشيخ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. السلام عليكم أيها المشاهدون الكرام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: السلام موصول لك أخي العزيز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياكم الله سماحة الشيخ. من خلال ما تفضلتم به، ربطاً بين موضوع حديثنا الذي يرتبط بآية قرآنية كريمة وحديث الزهراء عليها السلام، وعملية الربط التي تستوجب فهماً لما نعتقده بالنسبة للقرآن الكريم، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
نماذج الخطاب الإلهي في القرآن الكريم
الشيخ: نعم، في الواقع أود أن أقف أمام مسألة مهمة في سياق الحديث عما تفضلتم به، وهي أننا نريد أن نتأمل، والتأمل في القرآن الكريم كما يقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾. إذا تأملنا في القرآن الكريم، نجد أن آيات القرآن الكريم فيها مواضيع متعددة، منها ما يتناول الإخبار ومنها ما يتناول بيان الأحكام. ولكن ما نريد أن نتحدث عنه هو أن هناك نموذجاً في القرآن الكريم من الخطاب الإلهي.
هذا الخطاب في القرآن الكريم نجده على نموذجين: نموذج خطاب مباشر و خطاب بالواسطة.
أ. الخطاب المباشر
يعني الله تعالى من خلال آيات قرآنية كريمة وجه خطاباً لشرائح معينة من البشر، فقال مثلاً:
-
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾: خطاب موجه من الله تعالى للناس (عام).
-
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: خطاب مباشر (خاص).
-
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: خطاب مباشر (خاص).
-
﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾: خطاب مباشر (خاص).
ب. الخطاب بالواسطة
خطاب من الله تعالى لشرائح متعددة من المخلوقات ولكنها بالواسطة، من خلال استعمال "قل". الخطاب إذن موجه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالنهاية للبشر، ولكن بواسِطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. نجد مثلاً في القرآن الكريم 130 آية تبدأ بكلمة "قل" (مثل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾).
تصنيف الخطاب حسب العموم والخصوص
المقدم: إذن هنا سماحة الشيخ، هل توجد خطاب بالواسطة بغير كلمة "قل"، أو محصور في "قل"؟ ونموذج آخر للخطاب الإلهي في القرآن هو الخطاب العام كما ضربتم الأمثلة به ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ أو ﴿أَيُّهَا النَّاسُ﴾؟
الشيخ: نعم، الخطاب بالواسطة محصور في "قل" في الغالب. ولكن يمكن أن ننظر إلى هذه الخطابات بزاوية أخرى:
1. الخطاب العام (للناس كافة)
الخطاب العام يشمل في معظم مصاديقه الخطاب المباشر. هناك عدد من الآيات وجه الله تعالى فيها الخطاب مباشرة بنحو عام إلى البشر تحت عنوان ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾. نجد في القرآن الكريم عشرون آية تبدأ أو فيها كلمة ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، ومثلها آية واحدة ﴿أَيُّهَا النَّاسُ﴾ بدون "يا". هذا خطاب عام لبني البشر.
2. الخطاب الخاص (لشريحة معينة)
هناك ما يقابل الخطاب العام وهو الخطاب الخاص، ونجد له ثلاث نماذج في القرآن الكريم:
-
للمؤمنين: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. هذا خطاب من الله مباشرة، وورد في 89 آية في القرآن الكريم.
-
لأهل الكتاب: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾. وهم أتباع الديانات السماوية الأخرى (النصارى أو اليهود). نجدها في اثني عشرة آية (مباشرة أو بواسطة "قل").
-
للكافرين: ورد في آيتين؛ واحدة مباشرة: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وآية أخرى بالواسطة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾.
خصوصية خطاب "يا أيها الذين آمنوا"
المقدم: سماحة الشيخ، في نهاية الحلقة الماضية طرحتم تساؤلاً: لماذا وردت صيغة الخطاب في الآية مورد البحث بصيغة ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولم ترد بصيغة الخطاب العام مثل ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾؟ وما الفرق بين الخطاب المباشر وبين الخطاب بالواسطة؟
الشيخ: هذا التفصيل الذي ذكرناه فيه فائدة للوصول إلى الجواب عن هذا السؤال.
أ. الفرق بين المباشر والواسطة:
الخطاب المباشر (﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾) له خصوصية في معانيه؛ يريد الله تعالى أن يُشعِر المستمع أنه يتلقى خطاباً مباشراً منه. بينما الآيات التي وردت بصيغة "قل" (الواسطة) جعلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موقع المبين والمخاطب والمناقش للآخرين والمبلّغ لهم.
ب. الفرق بين العام والخاص:
-
الخطاب العام (﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾): موضوعه ليست له حيثيات سابقة. هو موجه لجميع البشر حول موضوعات عامة، مثل الخلق (﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾).
-
الخطاب الخاص (﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾): له حيثية سابقة. عندما يقول ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فالأمر الذي سيأتي بعده (مثلاً: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾) متفرع ومرتكز على تلك الحيثية، ألا وهي الإيمان.
الشيخ: الله تعالى في هذه الآية التي هي مورد بحثنا قال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾. الأمر بالإطاعة متفرع على وجود حيثية سابقة ألا وهي الإيمان. لذلك قال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولم يقل ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾؛ لأنه لا معنى لأن يوجه الأمر بالإطاعة لغير المؤمن، فالطاعة متفرعة على الإيمان.
المقدم: ويمكن أن نقول سماحة الشيخ هنا متفرع على الإيمان لا بد من الطاعة؟
الشيخ: أحسنت. يعني بالخطاب الخاص لا بد من أن يكون هناك شيء تأسيسي سابق لموضوع الخطاب الخاص ليكون الخطاب موجهاً لهم.
الإطاعة في القرآن (مداخلة هاتفية)
الشيخ: نعود إلى موضوع أوامر الإطاعة. هذه أولاً تدخل في إطار الخطاب الخاص لشريحة وهم المؤمنون.
المقدم: لدينا اتصال من النجف، السيد مهدي. تفضل أخي العزيز.
(مداخلة السيد مهدي - النجف):
يسأل عن آيات مثل آية التطهير وآية المباهلة، وهل هي غير كافية لإثبات الإمامة؟ ويذكر قول الزمخشري بأن آية المباهلة هي أعظم آية في القرآن.
الشيخ (تعقيب): نحن لا زلنا في طور التأسيس، وسنصل إن شاء الله إلى موضوع آية التطهير والآيات الأخرى التي تتناول أهل بيت العصمة عليهم السلام. برنامجنا هو "أئمة الهدى"، ونحن نحاول أن نزيل بعض الحُجُب التي يمكن أن تلتبس على البعض في حياتهم، وندعو للتفكر للوصول إلى الحقيقة الناصعة.
(مداخلة الأخ أحمد - واسط):
يدعو إلى التركيز على المسانيد الصحيحة من كتب مثل مسند أحمد والبخاري والترمذي، ويقول إنها تنقل روايات تدل على أن الإمام علي عليه السلام هو المقصود، فلماذا يعرضون عنها ويأخذون ببعض الروايات دون بعض؟
الشيخ (تعقيب): ندعو الجميع للانطلاق بواقع قراءتهم من التفكر كما تحدثنا. مسألة نعمة الفكر تفرض على كل إنسان عاقل أن يبحث ويدقق ويعرف أين هي الحقيقة. وسنحاول أن نتواصل للوصول إلى هذه الحقائق الجلية. وسنناقش فكرة "الكيل بمكيالين" في حلقة خاصة عن كيفية الرد على مثل تلك الأساليب المناقضة.
تحليل أوامر الإطاعة الـ 14
الشيخ: نعود إلى سياق الآية مورد البحث. هذه الآية تدخل أولاً في سياق الخطاب الخاص وليس الخطاب العام (يا أيها الذين آمنوا).
من ضمن خطاب المؤمنين (الـ 89 آية)، هناك مجموعة خاصة تتناول عنوان الأمر بالإطاعة.
ملاحظة إحصائية هامة:
كلمة "أطيعوا" وردت في القرآن الكريم 14 مرة (في 14 آية).
نوع الأمر | العدد | أمثلة |
أطيعوا الله والرسول | 11 آية | أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، أطيعوا الله والرسول (بصيغ مختلفة، منها 2 بالواسطة "قل") |
أطيعوا الرسول | 1 آية | (مستقلة ولكن مرتبطة بسياق الطاعة الإلهية) |
أطيعوا أمري | 1 آية | (على لسان هارون يخاطب بني إسرائيل) |
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم | 1 آية | الآية 59 من سورة النساء (مورد بحثنا) |
الشيخ: الأحد عشر آية كلها العنصر المشترك بينها أنها كلها فيها كلمة "أطيعوا الله" وفيها كلمة "الرسول" (الأمر بإطاعة الرسول).
الشيخ: هذه الآيات الأربعة عشر نحتاج في الواقع إلى التأمل بمضامينها، ودلالاتها، قبل أن نصل إلى مورد حديثنا ألا وهو الآية التي تقول: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾. هذه آية واحدة وردت بهذا العنوان (الآية التاسعة والخمسون من سورة النساء)، وهي التي تحتاج إلى بحث وتأمل.
المقدم: سماحة الشيخ، انتهى وقت البرنامج وعذراً لمقاطعتكم. إن شاء الله نكمل هذا البحث الممتع والشيق إن شاء الله في الحلقة القادمة.
الشيخ: شكراً جزيلاً.
المقدم: في نهاية اللقاء، نشكر سماحتكم على هذه الإثارات والتوضيحات، وأشكر لكم مشاهدينا الأعزاء على حسن المتابعة. نلتقيكم إن شاء الله في حلقة قادمة من الأسبوع القادم في نفس هذا الموعد، نتابع فيها هذا البحث الشيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!