في 13 نيسان من عام 1975 م اندلعت ما أطلق عليه شرارة الحرب الاهلية في لبنان..
لم يستجب الحكام حينها للتحذيرات والنصائح والمناشدات الصادقة، والتي أطلقها خلال سنوات خلت، السيد موسى الصدر، مطالبا بالعدالة التي إن بقيت مغيبة فلن يجد اولئك الحكام قصورا يسكنون بها، ولن يجدوا وطنا يبنون مجدهم عليه، وسيغدوا وطنا من سالف التاريخ..
واستمرت تلك الحرب عقدا ونصفا من السنين، كانت فيها كرة النار التي تحمل الدمار تتنقل بين أيدي اللاعبين وأقدامهم ، من الخارجيين منهم والداخليين محولة بناء الوطن من جنوبه الى شماله وشرقه مرورا بعاصمته الى هيكل متداع تتهاوى أشلاؤه على رؤوس أبناءه..
وتأسس في عهد الطائف ميثاق جديد ليشرعن دستورا لم ينظر أحد اليه بنظارة بيضاء، بل وضع كلٌ نظارة ملونة باللون الذي يختاره في قراءته بنود الدستور الجديد.. فكانت لعبة التوازنات والمماحكات المستمرة ضمن منهجية لم يعد فيها لبنان سوى شاشة ( مونيتور) لما يجري في المنطقة المحيطة القريبة، بل وفي كل المنطقة بين اللاعبين والتي تعكس حقائق موجودة في أماكن أخرى لا وجود لها على تلك الشاشة
فغدا مكانا تظهر عبره الرسائل المتبادلة, وفقد أبناؤه نماذج القيادة الوطنية فصارت القيادات دمى من شمع، كل واحدة منها ممسوكة بخيط يحركها كما هي حال ألعاب الصور المتحركة.
في خضم هذا الواقع المأساوي الحالك والذي لم تعد فيه الفضائح الكارثية المتكشفة يوما بعد يوم على كل الاصعدة تهز جفن شريحة مخدرة على سِكر الانتماء العصبي الشخصاني والمذهبي والمناطقي، في ظل تصدر الصبية واجهة التمثيل لكل تلك الاتجاهات ،
وسقط الجميع في مستنقع من البلادة التي لا حد لها، وكان آخر انموذج يحكي هذه الحالة هو مخاض تشكيل حكومة من لون واحد حيث انقضت خمسة شهور إلا أيام قليلة، حتى ملّ الناس من أخبار الحكومة ومن تشكيلها، بل ومن اسمها ومن حتى وجودها، فقد اعتادوا على هذا النمط من السلوك الذي أفرزه واقع الطائف المريض ، فلا مانع من أن نبقى أشهرا بلا رئيس جمهورية، و لا مانع من أن تدير الامور حكومة لا تمثل العقد المذهبي الذي كرسه الطائف، ولا مانع من أن يصاب عمل مجلس النواب بالشلل نتيجة ذاك الواقع، ولا مانع من أن يبقى رئيس الحكومة خارج البلاد اشهرا طوالا ، أصيلا كان او رئيس تصريف، ولا مانع من أن يبقى مكلفا لأشهر وكأنه حائك يحل حياكة ثوب او ينتظر ما يرسمه الحائك عما يحاك لطلاب المدرسة من اثواب يتنافس الحائكون على حياكتها.
رسب التلاميذ الكسالى في كل فروضهم، لم يحفظوا أي درس رغم تسريب الاسئلة ،
يجمعهم الاستاذ فيسربها لهم علهم يجدون للنجاح سبيلا، وكادوا يعودون الى ما قبل قراءة الحرف.
هل يصدق أحد أن دولة ً تبقى مغيبة بسبب خلاف بين قائدي السلاح على توزير الصهرين؟ إن وزّرت صهرك فأريد صهري..
هل يصدق أحد أن دولةً تبقى مشلولة بسبب خلاف بين حفيدين متجاورين ورثا مجدا غابرا فغدا نزاعا يعطل بلدا؟ إن وزرت ابن عمي فأنا أو لا أحد.
هل يصدق أحد أن دولة تبقى معطلة بسبب خلاف بين ابني رمزين على رمزية كل منهما؟ إن نال ابن البيك وزارات فأنا أريد وزارة.
واجتمعوا لإصدار بيان النعي بعد أن طال العري ما تستره ورقة التين.
صرخ الاستاذ في وجه الهياكل المتصدية المتسقطة لأخبار ما يجري في الجوار وغيره، حيث رياح التفتيت والتجييش المذهبي تهب زارعة بذور التفسخ قبل أن يصدرا بيان النعي قائلا..
ألم تحفظوا الدرس بعد أيها الاولاد؟
ويتركهما صامتا، وصمت الاستاذ أبلغ من الكلام..
تبدأ التسريبات وينتظر الجميع وتصدر المراسيم..
تسقط ورقة النعي بعد أن يعطي الاستاذ الاطفال قطعة حلوى.
هل يرضيكم ايها الاطفال ان اعطيكم وزارة لترضوا بقية الاطفال..
وكانت المفاجأة.. ففي زمن التكالب والتناتش والتنابز تصدر تلك المراسيم ولأول مرة في عهد الطائف تصدر تشكيلة تتنازل فيها طائفة عن مقعد وزاري بل وتعطيه لطائفة اخرى..
لقد ضرب الاستاذ ضربة المعلم مرتين..
مرة عندما اعطى الوزارة كي يتراضى المتخاصمون.
ومرة عندما اختار من يعتمد عليهم.. فكانت الضربة ضربتين.
فكم رجل يعد بألف..
وكم ألف يمر بلا عداد..
التعليقات
يوجد 2 تعليق على هذا المقال.
هكذا كان أثر الضربتين
هكذا كانت ضربة المعلم الاولى بصدمة لم يكن أحد يتوقعها أو يفكر بها..فأعطت أثرها سريعا، وعادت دقات القلب الى الخفقان من جديد..
وكانت الضربة الثانية بأن اختار من يعتمد عليهم..ممن لهم رُكَبٌ تستطيع ان تقف عند المواقف..
وبالتالي أظهر دور أم الصبي التي تقف في الوسط وتجلس الجميع في وسط الدار
هكــذا ولــدت فقــرة المحكمــة الدوليــة
هكــذا ولــدت فقــرة المحكمــة الدوليــة
غاصب المختار
جاءت ولادة النصّ المتعلّق بالمحكمة الدولية في البيان الوزاري بـ«حبل سرّي» كان يربط بين الرئيس نبيه بري مفاوضاً باسمه وباسم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وذلك بعد أن كانت الاتصالات المباشرة بين ميقاتي والحاج حسين الخليل قد وصلت إلى طريق مسدود في ظل تشبّث الأول بذكر تعبير «المحكمة» في البيان الوزاري، وفي المقابل، رفض «حزب الله» إدراج المحكمة في البيان بعد أن كانت قيادة الحزب قد ناقشت هذا الأمر من كل جوانبه، بحيث رجحت كفة القائلين برفض تسمية المحكمة صراحة في نص البيان.
وقد سادت اعتباراً من يوم الاثنين أجواء متشائمة بإمكان التوصّل إلى صيغة مقبولة من ميقاتي و«حزب الله»، بينما ملأ رئيس الحكومة فراغ الانتظار الفاصل عن موعد انتهاء المهلة الدستورية لإحالة الحكومة بيانها الوزاري إلى مجلس النواب، بجلسات ماراتونية للجنة صياغة البيان ناقشت كل المضامين باستثناء البند 14 المتعلّق بالمحكمة والذي بقي شاغراً على الورق، على اعتبار أن النقاش حول هذه النقطة يتم بعيداً عن السرايا الحكومية.
وعندما بلغت الرئيس بري أجواء تشاؤمية عن محصلة مشاورات ميقاتي و«حزب الله»، بادر الى دعوة رئيس الحكومة الى عشاء عمل جمعهما في عين التينة مساء الثلاثاء الماضي، وقد جرت خلاله صياغة مشروع نص جديد تعهّد بري بإقناع قيادة «حزب الله» به في اليوم التالي (الأربعاء) قبيل موعد جلسة اللجنة الوزارية عند الرابعة من بعد الظهر، لكن بري وحتى ظهر الأربعاء، لم يتمكن من لقاء قيادة «حزب الله» حيث تحدّد الموعد في الموعد نفسه (الرابعة)، فتأجّل الاجتماع الوزاري، من الرابعة عصراً الى الساعة السابعة مساء. وفي ربع الساعة الأخير، أي قرابة السادسة، وصل الخبر الذي ترك ارتياحه بادياً في السراي الحكومي وأفرج عن البيان الوزاري متضمناً النص الذي صاغه ميقاتي وبري معاً.
وشملت مروحة اتصالات بري وميقاتي في الساعات الثلاث الأخيرة كلاً من النائب وليد جنبلاط، الحاج حسين الخليل، العماد ميشال عون إضافة الى وجود ثلاثة وزراء هم علي حسن خليل وجبران باسيل ووائل أبو فاعور في صلب التفاوض، فيما كان رئيس الجمهورية في جو المفاوضات سواء عبر الاتصالات المباشرة معه أم عبر ممثله في اللجنة الوزير ناظم الخوري، حيث جرى التفاوض على التعديل الممكن والمقنع للفقرة 14 من البيان الوزاري المتعلقة بالمحكمة الدولية، حتى خرج النص التوافقي للنور.