• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : لماذا نقول يا حسين ؟ .
                    • الموضوع : الحلقة الحادية عشر .

الحلقة الحادية عشر

الحلقة الحادية عشر

وما نقوله في المقام من استمرار غضبها ليس فهما خاص بنا بل هو ما يفهمه كل قارئ لهذا النص وهو ما يؤكده ابن ابي الحديد المعتزلي بعد ان ينقل هذا النص - باختلافات يسيرة في بعض الكلمات - ما يلي: 

قلت هذا الكلام و إن لم يكن فيه ذكر فدك و الميراث-  إلا أنه من تتمة ذلك ( أي خطبتها المذكورة سابقا) - و فيه إيضاح لما كان عندها-  و بيان لشدة غيظها و غضبها-  فإنه سيأتي فيما بعد-  ذكر ما يناقض به قاضي القضاة و المرتضى-  في أنها هل كانت غضبى أم لا-  و نحن لا ننصر مذهبا بعينه -  و إنما نذكر ما قيل-  و إذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه- .

 و اعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل-  ما رواه رجال الحديث و ثقاتهم-  و ما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه-  و هو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث- .

وينقل ابي الحديد نصوصا من كلام ابي بكر في جوابها فيقول:

        و روى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر،  إن أم أيمن تشهد لي،  أن رسول الله ص أعطاني فدك،  فقال لها يا ابنة رسول الله،  و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك،  و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك،  و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري،  أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك،  و أنت بنت رسول الله ص،  إن هذا المال لم يكن للنبي ص،  و إنما كان مالا من أموال المسلمين،  يحمل النبي به الرجال،  و ينفقه في سبيل الله،  فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه،  قالت:

 و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا،  قالت و الله لأدعون الله عليك،  قال و الله لأدعون الله لك،  فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها،  فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب،  و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة .

          وينقل نصا آخر فقول:

        قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها،  فصعد المنبر و قال أيها الناس،  ما هذه الرعة إلى كل قالة،  أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ص، ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم،  إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكل فتنة،  هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت،  يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء،  كأم طحال أحب أهلها إليها البغي،  ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت،  إني ساكت ما تركت،  ثم التفت إلى الأنصار فقال،  قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم،  و أحق من لزم عهد رسول الله ص أنتم،  فقد جاءكم فآويتم و نصرتم،  ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا،  على من لم يستحق ذلك منا، .

 ثم نزل،  فانصرفت فاطمة ع إلى منزلها .

ويعلق ابن ابي الحديد على هذا النص فيقول:

 قلت قرأت هذا الكلام،  على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري،  و قلت له بمن يعرض فقال بل يصرح

-  قلت لو صرح لم أسألك فضحك و قال،  بعلي بن أبي طالب ع

-  قلت هذا الكلام كله لعلي يقوله؟

-  قال نعم إنه الملك يا بني.

-  قلت فما مقالة الأنصار؟

-  قال هتفوا بذكر علي،  فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم.

-  فسألته عن غريبه؟

-  فقال أما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء، و القالة القول، و ثعالة اسم الثعلب علم غير مصروف، و مثل ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعي،  إلا بعضه و جزء منه،  و أصله مثل:  قالوا إن الثعلب أراد أن يغرى الأسد بالذئب فقال:  إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك،  و كنت حاضرا،  قال فمن يشهد لك بذلك،  فرفع ذنبه و عليه دم.

و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته و قتل الذئب ، و مرب ملازم أرب بالمكان،  و كروها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى،  يعني الفتنة و الهرج، و أم طحال امرأة بغي في الجاهلية،  و يضرب بها المثل فيقال أزنى من أم طحال .

 

ثم ينتقل ابن ابي الحديد الى مناقشة مسألة ثانية يذكرها علماء الشيعة فيقول:

 و أما ما يرويه رجال الشيعة و الأخباريون منهم في كتبهم،  من قولهم إنهما أهاناها و أسمعاها كلاما غليظا،  و إن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا،  فكتب لها بفدك كتابا،  فلما خرجت به وجدها عمر،  فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته،  فدفع بيده في صدرها و أخذ الصحيفة،  فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها،  و إنها دعت عليه فقالت،  بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي،  فشي‏ء لا يرويه أصحاب الحديث و لا ينقلونه،  و قدر الصحابة يجل عنه،  و كان عمر أتقى لله و أعرف لحقوق الله من ذلك،  و قد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة،  التي يذكرونها شعرا،  أوله أبيات لمهيار بن مرزويه الشاعر من قصيدته التي أولها، 

         يا ابنةَ القومِ تُراكِ       بالغٌ قتلي رضاكِ

ويتابع ابن ابي الحديد قائلا:

، . و قد ذيل عليها بعض الشيعة و أتمها و الأبيات، 

يا ابنة الطاهر كم ***  تقرع بالظلم عصاك‏

غضب الله لخطب  *** ليلة الطف عراك‏

و رعى النار غدا قــــــــط رعى أمس حماك‏

مر لم يعطفه شكوى‏*** و لا استحيا بكاك‏

و اقتدى الناس به*** بعد  فأردى ولداك‏

يا ابنة الراقي إلى الســـدرة في لوح السكاك‏

لهف نفسي و على*** مثلك فلتبك البواكي‏

كيف لم تقطع يد *** مد إليك ابن صحاك‏

فرحوا يوم أهانـــــــــــوك بما ساء أباك‏

و لقد أخبرهم أن‏****  رضاه في رضاك‏

دفعا النص على*** إرثك لما دفعاك‏

و تعرضت لقدر *** تافه و انتهراك‏

و ادعيت النحلة المشهود فيها بالصكاك‏

فاستشاطا ثم ما ****إن‏  كذبا إن كذباك‏

فزوى الله عن الرحـــمة  زنديقا ذواك‏

و نفى عن بابه الواســـع‏  شيطانا نفاك‏

 

- . فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء، على سادات المسلمين و أعلام المهاجرين، و ليس ذلك بقادح في علو شأنهم و جلالة مكانهم، كما أن مبغضي الأنبياء و حسدتهم، و مصنفي الكتب،  في إلحاق العيب و التهجين لشرائعهم، لم تزدد لأنبيائهم إلا رفعة، و لا زادت شرائعهم إلا انتشارا في الأرض، و قبولا في النفس، و بهجة و نورا عند ذوي الألباب و العقول.

الى هنا انتهى ما قاله ابن ابي الحديد في كتابه

       شرح‏ نهج ‏البلاغة ج 16   ، صفحة 234

وفي ما قاله ابن ابي الحديد دلالة على النقاط التالية:

أولا: انه ينقل الاحاديث التي رواها اهل الحديث والتي حكموا بصحتها والدالة على غضبها عليها السلام على الخليفة الاول،  وعلى الممالئين له في موقفه.

ثانيا: ينقل مدى الغضب الذي تحمله الزهراء على الخليفة الاول بحيث أنها تصارحه بأنها ستدعو الله عليه.

ثالثا: ينقل ما ورد من تهديد ووعيد للانصار كي لا يميلوا مع الزهراء عليها السلام، وهو ما يفسر نقمة الزهراء عليها السلام على الرجال لممالئتهم الخليفة.

رابعا: يذكر لنا ما قاله ابو بكر من تعريض بامير المؤمنين عليه السلام، وهو في هذا يحذر الزهراء من كونه يلقي بمسؤولية الموقف التحريضي التي تولته الزهراء على عاتق علي بن ابي طالب عليه السلام محذرا ومهددا ومتوعدا بل ومعرضا ومهينا.

خامسا: ما ينقله من كلامها عليه السلام لنساء المهاجرين والانصار والذي حصل في مرضها وقبل وفاتها يدل على انها كانت المرحلة النهائية من العلاقة مع الحاكم الجديد والتي تلت محاورتها معه، وبالتالي فإن هذا يدحض مقولة التسليم والاقرار له بصحة عمله.

سادسا: نلاحظ ان اسلوب مناقشة ابن ابي الحديد لما ينسبه من قول للشيعة بحق عمر بن الخطاب استند على اسلوب انشائي يستبعد فيه حصول مثل هذا السلوك من عمر بن الخطاب، واعتبر القدح فيه بلية تصب على المسلمين، وشبه ذلك بما تعرض له الانبياء .. الخ

وهذا ليس مورد بحثنا بل نذكره للاشارة الى ان الموقف يرتكز على فرضيات ذهنية بوضع هؤلاء في مرتبة ومقام لا بد له ولامثاله من الحفاظ عليها ، وبالتالي لا بد لهم من توجيه السياق العام لحالة غضب فاطمة عليها السلام بعد ان تعذر عليهم نفي الموضوع الى محاولة اظهار رضاها بعد ذلك، ولكن هذا يتناقض مع نفس مدلول ما رووه في المقام.

وليس حديثنا في هذا البحث هو مناقشة هذه المسألة بل أننا ذكرناها من باب الاشارة الى ما عايشه الحسين عليه السلام وهو طفل صغير بعد وفاة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما عانته أمه الزهراء عليها السلام، وما حصل من انقلاب الامة بعد وفاة جده.

لا شك أن هذه المحطة التي عايشها الحسين عليه السلام كان لها انطباع خاص وأثر لا يمكن تخطيه مما عانته امه الزهراء وكانت محطة مؤلمة في حياته ولكن سرعان ما عايش محطة كانت أقسى وأشد فما هي هذه المحطة الجديدة؟

  هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة الثانية عشر انشاء الله

 

 

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=68
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 03 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19