• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : ماذا لو عاد الزمن الى الوراء!!! لقد انتهت أيام الخداع .

ماذا لو عاد الزمن الى الوراء!!! لقد انتهت أيام الخداع

  بعد حوالي أسبوعين من اغتيال الشيخ راغب حرب  في 16 شباط من عام 1984،  ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان بشكل غير مسبوق كرد عملي على تلك الجريمة.

وفي عصر يوم التاسع والعشرين من شهر شباط من ذاك العام ، كنت جالسا مع بعض  الأصدقاء في المنزل نتحدث عن بعض الأمور ،

في تلك الاثناء كنت انتظر أمرا ما  وإذ بسيارة تقف امام المبنى، وما أن فتحت الشباك لكي استطلع الامر وإذ بي اشاهد ضابط المخابرات الإسرائيلية والمسؤول عن دائرة واسعة والذي يعرف  باسم ( أبو معروف ) ينزل من سيارة BMW  زيتونية اللون ويتقدم نحو الباب، يرافقه عناصر من الاستخبارات الإسرائيلية بملابسهم المدنية.

ظننت في البداية أنهم رصدوا دخول عمي لمنزلنا حيث دخل ليستحم، بعد أن صار مطلوبا اعتقاله فكان يتخفى في مبيته .

طلبت من صديقي البقاء في مكانه و توجهت نحو الباب لأفتحه وسرعان ما تقدم اثنان من العناصر لاعتقالي فورا بعد أن امسكاني في كتفي

 وقال لي أبو معروف تفضل معنا، فأصعداني معه في نفس السيارة ولاحظت وجود سيارتين اخريين،

فساروا نحو مركز التحقيق الرئيسي في مبنى الريجي على مدخل مدينة النبطية لناحية كفر رمان..

عندما انطلقت بنا السيارة كنت أتوقع أن لا نصل أحياء الى مبنى الريجي نظرا لكثرة العمليات التي اشتعلت في المنطقة في تلك الأيام.. ولكن شاء القدر ان تكتب لنا الحياة.
اثناء الطريق وجه أبو معروف كلامه لي قائلا .. لقد جاءنا امر من تل ابيب باعتقالك فورا، ولو لم يكن الامر خطيرا لما جئنا بهذا الوقت في النهار لاعتقالك،( فقد كانت عمليات الاعتقال للمطلوبين تتم في تلك الفترة ليلا وكان اعتقالي هو اول عملية اعتقال تحصل نهارا )

  • أدركت أن رحلة الاعتقال لن تكون قصيرة خاصة بعد العملية الجريئة النوعية التي حصلت قبل أيام والتي اشتهرت باسم عملية وادي الأخضر على مدخل بلدة عربصاليم، وأدت الى قتل الجنرال ابراهام خيدوا  ( أعلى ضابط إسرائيلي يقتل في جنوب لبنان منذ الغزو الاسرائيلي في شهر  حزيران من العام 1982)
  • وكانت أخبار بلدة عربصاليم والتي لي معها ارتباط خاص، تتصدر نشرات الاخبار وعناوين الصحف وهي التي كانت ولا تزال مطوقة منذ يومين وتخضع لحصار مشدد وحملة تفتيش واعتقالات لشبابها.
  •  فهيأت نفسي لرحلة طويلة أعرف الكثير عن صعوباتها وما ينتظرني فيها.
  • بعد أسابيع من الاعتقال وفي احدى الليالي بعد نقلي الى الزنزانة قدم عسكري وطلب مني الخروج ووضع القيد في اليدين والكيس الذي يحجب الرؤيا بل وحتى الهواء في الرأس،  ومر بي في تلك القاعة التي امضيت فيها وقتا طويلا وهي التي كان يتم وضع المعتقلين الجدد فيها دون السماح لهم بالنوم لممارسة الضغط الجسدي والنفسي عليهم بحيث يكون الانتقال من تلك القاعة الباردة  الى الزنزانة الضيقة بمثابة  فسحة وراحة.
  • ظننت لأول وهلة أنهم سينقلونني الى مكان ما خارج الريجي ولكن سرعان ما تبين لي انه اتجه بي  نحو غرف التحقيق فاعتقدت حينئذ انه سيجري معي تحقيق من قبل الضابط الذي يتولى التحقيق عادة ،
  •  وإذ بي أجد نفسي في غرفة واسعة وتفاجأت بوجود مجموعة من الأشخاص وبينهم ضباط من  ذوي الرتب العالية ويبدوا انهم قد حضروا من داخل الأرض المحتلة، وعددهم سبعة اشخاص.
  • بعد رفع الكيس عن رأسي رحت اتصفح تلك الوجوه التي كانت تنظر الي، وطلب مني احدهم الجلوس على كرسي في تلك الغرفة.
  • أدركت في تلك اللحظة أن هذا المكان وهذا الحضور ليس لجلسة تحقيق اعتيادية بل لأمر آخر وسرعان ما أتضح انها  الاقرب لان تكون حوارا  .
  • بدأ الحديث من يبدوا أنه الأعلى رتبة فطرح في طي كلامه مجموعة من التساؤلات والأفكار منها:
  • لماذا تقاتلوننا؟ نحن نرغب بأن نعيش بسلام معا.
  • نحن وإياكم أقلية في العالم العربي وتوجد مصلحة مشتركة للتعاون فيما بيننا وبينكم.
  • نحن وإياكم جيران ومن مصلحتنا ان نتعايش بتعاون وسلام.

وفي معرض تقييمه ونقده لسلوكهم قال:

  • نحن اخطأنا في تقييمنا للأمور قبل دخولنا الى لبنان، وفي طبيعة علاقاتنا.. لقد نسقنا مع جميع القوى الفاعلة والمؤثرة من الطوائف الاخرى.. اما انتم فلم نعمل لكم حساب، لقد أخطأنا في حساباتنا، كيف لنا أن نصحح هذا الخطأ؟..
  • هذا بعض ما ورد في سياق كلام  هذا المسؤول الكبير، ولاحظت أن بعض الجالسين يدون ما يتحدث به على أوراق، بينما لاحظت آخرين يتابعون مجريات الحوار، ويرقبون كل حركة مني او كل كلمة..
  • بالطبع لم أعرف من هم هؤلاء وما هي موقعيتهم ولا مسؤولياتهم في كيان العدو، ولكن لا شك في أن هؤلاء هم مجموعة من المختصين في أكثر من مجال وقد أرادوا الحديث معي لما يعتقدوه من موقعية لي لها أثرها في مفاصل معينة في مجتمعنا الجنوبي المقاوم، باعتبار أنني  من المعروفين في المجتمع بأن لي موقعا سياسيا واجتماعيا عاما وخاصة وأن وسائل الاعلام كانت قد نقلت وعلى مدى عدة أيام بعيد اعتقالي فعاليات الاعتصام المفتوح الذي حصل في بلدتنا أنصار  احتجاجا على اعتقالي، وشاركت فيه شخصيات متنوعة من المجتمع ، من سياسية ودينية واجتماعية وعلى جميع الأصعدة إضافة الى مشاركة شعبية واسعة لوفود قدمت من اكثر من بلدة ومنطقة في الجنوب اللبناني. 

لذا بدا لي من ذاك الحديث في تلك الليلة  ان هدفهم هو استطلاع آفاق المستقبل بعد أن شعروا بأن مشروعهم الذي عملوا عليه في جنوب لبنان من خلال التطويع  للتطبيع وتجنيد بعض العملاء  قد باء بالفشل بعد تصاعد موجة الرفض والمواجهة، فأرادوا أن يفتحوا كوة في الجدار المقام أمامهم.

استذكرت اليوم هذه الذكريات لأتساءل (ونحن في شهر رمضان المبارك من عام 1442وقد مضى ما يزيد على 37 عاما على ذاك التاريخ) ربطا بموضوع حديث الساعة للبنانيين والخليجيين منذ الامس وهو القرار السعودي بمنع استيراد الخضار والفاكهة اللبنانية  ابتداء من اليوم والتي أعلنت عدد من الدول الخليجية الأخرى تأييدها لهذه الخطوة تحت ذريعة العثور على مواد ممنوعة في احدى الشاحنات التي تحمل الرمان والمتجهة الى السعودية من لبنان.

فهل هذه هي الحقيقة؟ أم هناك شيء آخر تخفيه هذه التصرفات؟

وعلى هذا الأساس .. ماذا لو عاد الزمن الى الوراء!!!

 

سأعود بالذاكرة ثانية الى ذاك الحوار الذي تعمدت ان أظهر فيه  استعلاء عليهم رغم أني أسير بين أيديهم وهم يملكون كل وسائل السطوة والسلطة ولأظهر لهم أنهم أعجز من أن يؤثروا على جزء من المعنويات التي نحملها

فقد تعمدت أن أضع رجلا على رجل اثناء جلوسي على الكرسي رغم القيد الموضوع في يدي، وانطلقت في الحديث بنبرة لا شك أنها كانت مورد دراسة وتحليل من بعض خبراءهم فكان مما قلته له ما يلي:

  • لن أتحدث معكم بخلفية عقائدية وتاريخية تعرفونها جيدا، ولن أشير الى خيبر ومرحب... .

بل سأتحدث معكم بلغة العصر التي تحكم وتتحكم بعلاقات الشعوب والافراد والمجتمعات، ألا وهي المصلحة الاقتصادية التي على أساسها تبنى العلاقات او تحصل الصدامات..

  • انفرجت اساريره وقاطعني قائلا.. نعم هذا ما نريده، فمصلحتنا ومصلحتكم واحدة ، ونحن واياكم اقلية في العالم العربي وجيران ومن مصلحتنا ان يحصل تعاون بيننا وتفتح الحدود بما يحقق مصلحة الطرفين.
  • أجبته قائلا.. إن كانت لكم مصلحة في ذلك، فنحن ليس لنا مصلحة في ذلك إذ أن مصلحتنا على العكس تماما من ذلك، إذ وبلغة المصلحة بعيدا عن لغة العقيدة أقول لك ليس لنا مصلحة فيما تراه مصلحة مشتركة لأنه يسبب لنا دمارا في وضعنا الاقتصادي..
  • بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب وقال كيف ذلك؟
  • قلت له : إننا نعتمد بشكل رئيسي هنا في الجنوب على الزراعة التي تعتبر موردا رئيسيا لمعيشة الكثيرين عندنا سواء من خلال البساتين او الزراعات الموسمية المتعددة،
  • والزراعة عندنا قائمة على مبادرة الفرد الذي يستدين كلفة موسمه على أمل ان يسدده بعد نجاح الموسم وبيعه.
  • فالمزارع عندنا عليه ان يؤمن كل شيء لكي يحقق ربحا ويعتمد في استمراريته على ما يقوم بتصديره الى الدول العربية.
  • فإذا أصيب المزارع عندنا في احد المواسم او لم يتمكن من تصدير منتوجاته فتحل به كارثة تحتاج الى سنوات للتعويض عنها، فكيف اذا تواصلت العقبات وأبرزها التصدير؟
  • اما عندكم، فإني استمع الى إذاعة ( إسرائيل ) الناطقة باللغة العربية كل يوم ثلاثاء بعد الظهر الى برنامج ( مع المزارع) الذي يقدم النصائح والارشادات الى المزارعين، وما أعرفه عن طبيعة الزراعة عندكم هو ان المزارع ان يهتم بالزراعة والإنتاج فقط، وليس عليه أن يهتم بتصريف الإنتاج او بتأمين المعدات، فالجمعيات المتخصصة عندكم تقوم بتقديم كل المساعدات المادية والمعنوية للمزارع وتشتري منه المحصول وتقوم ببيعه، والمزارع عندكم لا يتحمل أية مخاطر طالما انه يهتم بزراعته .
  • والنتيجة الاقتصادية لذلك  هي: انه ونتيجة للدعم الذي يلقاه المزارع عندكم،  وبالمقابل لعدم وجود أي دعم للمزارع عندنا والذي يتحمل  نسبة عالية من الاخطار، فإن الإنتاج عندكم أكثر والكلفة أقل، وعندنا الإنتاج اقل والكلفة اكثر، فلا وجه للمنافسة في ذلك.
  • فإذا حصلت بيننا وبينكم العلاقة التي تتحدث عنها فمعنى ذلك ان تصدير منتجاتنا نحو البلاد العربية سيتوقف وسينهار قطاعنا الزراعي ويتحول سوقنا الى سوق استهلاكي لمنتوجاتكم فأين هي مصلحتنا في ذلك؟ وسيتهمنا إخواننا العرب بأننا خنا قضية فلسطين وتعاونا مع الأعداء وحينئذ سيلحق بنا عار الخيانة، ويتم  تدمير اقتصادنا.
  • فإذا تخلينا عن عقيدتنا تجاهكم وتجاهلنا العار الذي سيلحق بنا، ورغبنا بالتعاون معكم فيتدمر اقتصادنا ولا نحقق أي ثمرة فيما ترغبون به.
  • وتابعت قائلا.. المصلحة الوحيدة لنا ولكم، هي ان تنسحبوا فورا من الأراضي اللبنانية كافة من دون قيد او شرط، فإن فعلتم ذلك نستريح وتستريحون ، إذ طالما أنكم في ارضنا فلن تهنئوا بسلام، ومستعدون لأن ندفع الثمن كما دفعناه سابقا مع غيركم..
  • ولنقرأ هذا الكلام بلغة حدث اليوم
  • هل ما حصل اليوم من موقف أعلنت عنه السعودية هو بهدف الحد من التهريب نحو السعودية؟
  • وهل  عمليات التهريب هي بمعزل عن اطار امراء التهريب، إذ هل من بلد يسلم من مافيات التهريب، ومن الأقوى من هذه المافيات كالامراء؟ وماذا عن أمير الكابتكون الذي احتجز لسنوات في بيروت وطائرته الخاصة، بل وماذا عن والده في سبعينيات القرن الماضي ومحاكمته الشهيرة في بيروت.
  • ثم أين هي مزارع الرمان في لبنان التي يتم تصدير انتاجها؟ ليقال انه عثر فيها على ممنوعات؟
  • ثم وفوق كل هذا إن كان القرار السعودي يهدف الى حماية مواطنيهم فماذا يعني صدور بيانات تأييد من بقية الدول الخليجية؟ أليست بيانات التأييد تعني تأييدا سياسيا لموقف ما؟
    الا يدل ذلك على ان هذا القرار هو قرار سياسي بامتياز، أيدته دول الخليج؟.

 

  • وهنا أعود بالذاكرة ثانية الى حواري  مع الضابط الإسرائيلي اثناء فترة اعتقالي من عام 1984
  • لقد عبرت له يومها عن خشيتي من قطع طريق التصدير امام المنتجات الزراعية اللبنانية نحو الدول العربية على خلفية اتهامنا من قبل العرب بالتعاون مع المحتل الإسرائيلي وكنا نظن أن العرب يحملون حسب كلامهم المعلن عداء للاسرائيليين.
  • وها هي الحقيقة تتكشف اكثر واكثر
  • لقد انتهت أيام الخداع..
  • لقد كانت خشيتنا يومها في حديثي مع الضابط من أن يعاقبنا العرب فيما لو تعاونا معهم،
  • فماذا سيقول الضابط الإسرائيلي اليوم بعد أن قطع العرب طريق فاكهتنا نحو موائدهم؟
  • لو عاد الزمن الى الوراء وأراد ان يتكلم معي ذاك المسؤول بلغة حدث  اليوم لقال لي.. كما قال لي ضابط آخر حول موضوع آخر   بالانكليزية

Well you will see  

  • لم تستجيبوا لنا .. حسنا فقد جعلنا اخوانكم العرب يقطعون الطريق على مزروعاتكم لأنكم لم تتعاونوا  معنا، لتحل مكانها الفاكهة القادمة من حيفا وغيرها .
  • لقد خفتم من أن يقطعوا الطرق عليكم فقد جعلناهم يقطعوها لتصبح سالكة بين تل ابيت والعواصم العربية التي أغلقت أبوابها تجاهكم، وهاي طائراتنا  تنقل السياح والمنتجات التي ترفض حتى أوروبا استيرادها منا لأنها تصنع في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية وسنحصل على أسعار  تشجيعية من دول الخليج العربي .
  • سيقول لي لم يعد العرب بحاجة اليكم ولا الى خبراتكم التي بنيتم فيها دول الخليج،  بل ولا الى بلدكم.
  • لم يعودوا بحاجة  الى مرفأ بيروت كنقطة ترانزيت فقد حل مرفأ حيفا بديلا عن مرفئكم.
  • سيقول لي مستشعرا النصر : لم يعد العرب بحاجة الى مصارفكم فقد صارت من ذكريات التاريخ الماضي الذي لا يطعم جائعا.
  • لم يعد العرب بحاجة الى اخوتكم، فنحن أبناء العم أولى بهم منكم..

 

  • هل هذا حقيقة ام خيال؟
  •  ماذا لو عاد الزمن الى الوراء!!
  • لتكشف لنا اليوم الكثير مما ورد في هذا المقال:

الذي سبق و نشرته أثناء حرب تموز من عام 2006 تحت عنوان :

     قدر الشيعة بين يهود أمة موسى ويهود أمة محمد

<http://kitabati.net/subject.php?id=55>

لقد انتهت فعلا أيام الخداع.

 

 

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=708
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28