• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : من المسؤول عن الحالة العدائية تجاه رجال الدين في المجتمع الايراني؟ .

من المسؤول عن الحالة العدائية تجاه رجال الدين في المجتمع الايراني؟

خرجت صبيحة الامس من المنزل قبل الموعد بساعة كي أصل الى الدرس مشيا بدل أن أركب السيارة، إذ أنني أفضل في أغلب الاحيان أن أمشي هذه المسافة التي تزيد عن أربعة كيلو مترات والتي تفصل بين المنزل الذي أقطن فيه وحرم السيدة المعصومة في مدينة قم.

ولكن ما أن وصلت الى الشارع حتى وجدت الباص متوقفا عند المحطة ولم يكن مزدحما كما بدا لي، فاليوم هو آخر أيام العطلة السنوية في ايران وغدا أول أيام العمل في سنتهم الجديدة.

وبالمناسبة فإن هذا اليوم يطلق عليه عندهم أنه يوم الطبيعة، وتخرج فيه العوائل خارج منازلها لتستمتع بهواء الربيع الذي بدأ فصله منذ أيام مع بداية العام الجديد.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر ، فقد قرأت موضوعا منذ سنوات في احدى الصحف المحلية فيه أن أعلى نسبة سرقة للمنازل في النهار تحدث في مثل هذا اليوم لأن نسبة كبيرة من الاهالي تخرج الى البرية وتمضي النهار حتى العصر ، فمنهم من يخرج اعتقادا منه ببعض الافكار القديمة عن هذا اليوم بأنه يوم نحس ، وهذا النحس لا يتم رفعه إلا بالذهاب الى الطبيعة، ومنهم من ينظر اليه كمجرد يوم تختتم فيه العطلة ويستغل لشم الهواء النقي خارج المدن .

في كل حال فإن سيدنا الاستاذ ليس ممن يتفاعل مع هكذا مناسبات ، فهو يصر على الدرس حتى في يوم النوروز الذي هو يوم رأس السنة، وكان له موقف تاريخي في أيام النظام الشاهنشاهي المقبور في إحدى السنين حيث صادف يوم النيروز في أيام عاشوراء فكان أن دعا سماحته الى الاضراب وإعلان يوم رأس السنة يوم حداد و قد استجاب لدعوته تلك الكثيرون.

المهم في ما أود الحديث عنه هو أنني صعدت الى الباص وفوجئت أنه لا يوجد فيه مقعد فارغ فجميع مقاعده ممتلئة في ناحية الرجال .

وهنا أشير الى أن نظام الباصات في ايران له خصوصية في ثلاث محافظات فقط وهي طهران ، ومشهد وقم، وهذه الخصوصية هي في أن الباصات مقسمة الى قسمين: قسم خاص بالرجال وهو القسم الامامي ، وقسم مخصص للنساء وهو القسم الخلفي، ولكل منهم باب مستقل للصعود والنزول، فيما لا يطبق هذا النظام في بقية المحافظات الايرانية. ويفصل بين القسم الاول والثاني فاصل يمنع من وصول أحد الجنسين الى محل ركوب الجنس الاخر، ولكن في الموديلات الاخيرة من الباصات التي تصنع في ايران أيضا صار الباب المخصص للنساء مشتركا ولم يعد هناك فاصل كما كان في الموديلات السابقة، فصار من الممكن أن ترى في كثير من الاحيان بعض النساء يجلسن في آخر مقاعد الرجال عندما يصعدن قبل الرجال.

بقيت واقفا وحدي بعد أن سار الباص  علما أنه في الحالات العادية يكون عدد الواقفين أكثر من القاعدين نتيجة الازدحام خاصة في أوقات الذروة.

وسرعان ما وقف شيخ شاب معمم، في مقتبل العمر ، وقف من مقعده ، وألح علي بالجلوس مكانه، رفضت في البداية ، ولكنني استجبت له في النهاية كونه في سلوكه يعطي نموذجا عمليا أمام الاخرين للتربية المسلكية التي ورد فيها ( وقروا كباركم). فأنا أكبر منه سنا.

بعد أن جلست مكانه ووقف حيث كنت أقف ، وقف رجل مسن كان يجلس في الجهة الاخرى وهو أكبر مني سنا ودعا الشيخ الشاب للجلوس مكانه،

بالطبع لم يستجب له هذا الشيخ الشاب لأنه يبدوا أنه من عمر أحفاده وليس من عمر أولاده، فالرجل المسن أراد أن يجلس الشيخ  الشاب احتراما له كونه يرتدي الزي الديني، وهذا يدل على أن هذا الرجل المسن هو ممن يكن احتراما لهذه الرمزية التي يمثلها لابس الزي الديني، والشيخ الشاب أراد أن يظهر احترامه وتقديره للرجل المسن، فرفض أن يجلس مكانه.

كان لسلوك الشيخ الشاب ، والرجل المسن أثر أيجابي في النفس ، ولكن كيف هي الامور عند جيل الشباب الناشيئ؟

كان هناك بعض الشباب في الباص ولكن لم تصدر منهم أية حركة، بقي كل واحد منهم جالسا مكانه دون أن يعنيه مما جرى شيئ.

كان هذا بالامس ، فماذا حصل هذا اليوم؟

لقد كان اليوم هو أول أيام المدرسة والعمل ، توجهت قبيل الظهر الى موقف السيارات فوجدت الباص المتجه الى منطقتنا واقفا ، صعدت وجلست في آخر صف مخصص للرجال، كان بجانبي رجل دين وسرعان ما امتلأ الباص و تحرك بعد أن امتلأت مقاعده  التي يبلغ عددها سبعة عشر مقعدا للرجال وبقي بعضهم واقفا.

وفي تلك اللحظة وقبيل أن يتحرك الباص صعد شيخ  وصعده معه أيضا رجل مسن.ولم يكن قد بقي أي مقعد فارغ.

وكان هذا الشيخ شيخا بالمعنيين، فهو رجل دين معمم، وطاعن بالسن أيضا.

كان يجلس على المقاعد الاولى حيث وقف هذا الشيخ  والرجل المسن مجموعة من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة.

نظر هؤلاء الشبان نحو الرجلين الطاعنين بالسن، دون أن يبديا أي حراك، أو يكترثا لوقوفهما.

 انتظرت أن يبادر أحدهم للوقوف كي يجلس أحد الواقفين، ولكن دون نتيجة.

يا ترى أي تربية يتربى عليها هذا النشئ الجديد؟

أين هي التربية المدنية ؟ وأين هي التربية الدينية ؟

لا نجد لها أثرا في سلوك هؤلاء الفتية. اعتبرت أن الخلل هو خلل في منحصر بالتربية، حيث غاب عن ذهن هؤلاء الفتية مبدأ احترام الكبير واحترامه ولم يبدوا لي شيء سوى ذلك ، ولكن سرعان ما تكشفت لي أمور أخرى.

لقد صعد رجل آخر عند احدى المحطات فقام الشاب الذي كان يقف بجانبه الشيخ المعمم وأجلس الرجل الصاعد احتراما لكبر سنه علما أنه أصغر من رجل الدين الواقف. وسرعان ما وقف شاب آخر وتقدم خطوتين ليطلب من الرجل المسن الذي صعد برفقة الشيخ المسن الجلوس مكانه،

لم يلتفت الى رجل الدين أحد كي يجلسه.

لقد اتضح جليا أن هؤلاء الشباب أو هؤلاء الفتية لم يغب عن بالهم مسألة احترام الكبير فقام اثنان منهما ليجلسا رجلين مسنين، ولكن لماذا لم يقم احد منهم ليجلس رجل الدين الطاعن في السن؟

لا شك انهم يدركون انه مسن أكثر من الشخصين الذين افسح لهما بالجلوس، فلو لم يكن مرتديا للزي الديني لأجلساه يقينا قبل الاخرين.

إن هؤلاء الشباب بتجاهلهم هذا الشيخ الطاعن في السن يعبرون عن موقف سلبي حاد تجاهه لكونه رجل دين وليس لكونه كبيرا، لقد احترما رجلين كبيرين فأجلساهما وتجاهلا هذا الرجل!

سلوك يناقض تماما السلوك الذي لمسته يوم امس .

سلوك يتناقض تماما مع الحالة التي أنتجت الثورة وأنجحتها عندما قادها الامام الراحل السيد الخميني قبل سبع وعشرين سنة.

لقد كان الشباب في تلك الفترة هم الطاقة المتفجرة التي حطمت عرش الطاووس باندفاعهم الديني الذي لا يعرف حدودا.

فما الذي جرى حتى تغيرت النظرة وتغير السلوك؟

من المسؤول إذن عن هذه الحالة العدائية تجاه رجال الدين في المجتمع الايراني؟


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=44
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2006 / 04 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29