• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : نور الكلام .
                    • الموضوع : نصيحة الشهيد الثاني لطلبة زمانه و غيرهم .

نصيحة الشهيد الثاني لطلبة زمانه و غيرهم

يقول استاذنا الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله.. وقد كرر ذلك مرارا وفي اكثر من صيغة.. بما معناه..

" من يفهم كلام الشهيد الثاني في شرحه للمعة الدمشقية حق المعرفة يكون قد وصل الى مرتبة الاجتهاد"

ما دعاني لكي أنقل هذه الرسالة من رسائل الشهيد الثاني قدس سره والموجهة الى طلاب العلم، هو أنني تلمست عند بعض طلبة زماننا ضياعا وتيها فيما يسيرون عليه، ويبذلون زهرة عمرهم من اجله، انخداعا بفلان او انبهارا بعلان..

وما ان اطلعت على بعض كتب اولئك الذين يموهون على البسطاء الطيبين دينهم ويحرفونهم عن حقيقة ما يجب ان يكونوا عليه بأوهام الوصول وطرق السلوك بعد أن يلبسوا عليهم دينهم بآية من هنا وحديث من هناك لكي يضفوا على تلك المعتقدات والافكار المنحرفة صبغة التقوى والفلاح، والسؤدد والصلاح، وما هي في الحقيقة الا واحدة من اساليب ابليس الذي فرغ من الاستحواذ على المنحرفين فجاء ليستحوذ على هؤلاء باسم العارفين ، ليدخلهم بذلك مداخل الكفر والانحراف ..

عصمنا الله وجميع المخلصين من الزيغ ومن الفتن الداهمة..

لذا احببت ان انقل هذه  الوصية من وصايا الشهيد الثاني والخاصة لطلاب العلوم الدينية ومن هو بالقرب منهم، ليستيقظ من أخذته الغفلة الى حيث السكرة.

نصيحة الشهيد لطلبة زمانه و غيرهم

و أعْظَمُ مِن هذا مِحْنَةً، و أكبرُ مصيبةً، و أوجَبُ على مرتكِبِه إثماً، ما يتداوَلُه كثير من المُتّسِمينَ بالعلمِ من أهلِ بلادِ العجم، و ما ناسَبَها من غيرهم في هذا الزمان؛ حيث يصرِفُون عمرَهُم و يَقْضون دهرَهُم على تحصيل علوم الحكمة، كعلمِ المنطقِ و الفلسفة و غيرهما، ممّا يَحْرُمُ لذاتِهِ أو لمنافاتِه للواجب، على وجهٍ لو صَرَفوا جزءاً منه على تحصيلِ العلمِ الديني الذي يَسألُهُمُ اللهُ تعالى عنه يومَ القيامةِ سؤالًا حثيثاً، و يُناقِشُهُم على التفريط فيه نِقاشاً عظيماً لحَصّلوا ما يجِبُ عليهم من علمِ الدين. ثمّ هم مع ذلك يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ، بل يَزْعُمونَ أنّ ما هم فيه أعظمُ فضيلةً و أتَمّ نفعاً. و ذلك عينُ الخِذلانِ من الله سبحانه و البُعدِ عنه. بل الانسلاخُ من الدين رأساً أنْ يُحْيِيَ من يَزْعُمُ أنّه مِن أتْباع سيّد المرسلين محمّدٍ و آله الطاهرين دينَ أرسطو و مَنْ شاكَلَه من الحكماء، و يُهْمِلَ الدينَ الذي دانَ اللهُ به أهلَ الأرضِ و السماء. نعوذ بالله من هذه الغَفلةِ و نَسألُه العفوَ و الرحمةَ.

فاسْتَيْقِظُوا أيّها الإخوانُ من رَقْدَتِكُم، و أفِيقُوا من سَكْرَتِكُم، و تَلافُوا تَفْريطَكُم في أيّامِ هذه المُهلة قبلَ حلول المَنيّة و نزولِ البَليّة، و قبلَ أنْ تُسْألَ الإقالةُ و لاتَ حينَ مقيلٍ، و تَطْلُبون [كذا] الرَّجْعةَ و لا يوجَدُ إليها سبيل، قبلَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّٰاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللّٰهَ هَدٰانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

و إيّاكم أنْ تَغُرّكم النفسُ الأمّارَةُ المُحِبّةُ للكَسَلِ و الخَسارةِ، و تقولَ لكم: إذا كان في الاشتغالِ بالفقهِ هذا الخطرُ العظيمُ و أبوابُهُ مسدودَة في هذا الزمان، و رجالُهُ قليلة في هذا الأوان، و طُلابه قليلة الأنصار و الأعوان، و تحصيل المرتَبة الصالحةِ قد عَزّ إليها المثال، و فيما دونها من المرتَبة ما ذكرتَ من الأهوال فالاشتغالُ بعبادة الله تعالى أولى دُنيا، و أحْرى و أحوطُ للمتّقين ديناً.

ما هذه و العياذُ بالله إلا خَطْرة رديّة، و غرورات نفسانيّة، و مَكايدُ شَيطانيّة، و إلا فأينَ لنا البِناء على غير أساسٍ، و المَشْيُ في ظلمة الدين بغير مِقْباسٍ؟ و كيف تكون العِبادَةُ صحيحةً مع ما قد عَدَدْناه من الخطرات؟! و كيف تصِحّ العِبادةُ مع تَرْكِ هذه الفرائضِ الواجبات؟! و كيف تَقْصُرُ هِمّةُ العاقل على اكتسابِ فَلْسٍ إنْ حَصَلَ، و هو قادر على اكتساب نفائس الجواهر؟!

و كيف لا يخافُ اللهَ من قَصّرَ مع وقوفِهِ على هذا الدليلِ الباهر؟! و أين مرتَبة العِبادة الخالية عن العلمِ من العلم الذي هو عبادة؟! بل هو روح العبادة، بل العلمُ المُخْلَص علم و عبادة على تقدير سلامةِ العِبادة. فلو لم يَقْصِدِ العاقلُ لِنفسِهِ تحصيلَ منفعةٍ بالعلم فليقصِدْ دفعَ المَضَرّة؛ فإنّ دفع المَضَرّةِ أولى من جلبِ‌ النفع، كما هو من المقدّماتِ المتّفقِ عليها. كيف و قد ورد في ثوابه ما قد أغنى عن التدوين و الإظهار، لمزيدِ الاشتهار.

و قد رُوّينا بإسنادنا إلى مولانا و إمامنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه أنّه قال:

مَنْ كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا، فأخْرَجَ ضُعَفاءَ شيعتِنا من ظُلْمَةِ جهلهم إلى نور العلم الذي حَبَوْناه به، جاء يومَ القيامة على رأسه تاج من نور يُضِي‌ءُ لأهل جميع العَرَصات. و عليه حُلّة لا تَقومُ لأقلّ سِلْكٍ منها الدنيا بحذافِيرِها، و يُنادي منادٍ: هذا عالِم من بعض تلامذة علماء آل محمّد؛ ألا فمنْ أخْرَجَهُ من ظُلمة جهله في الدنيا فَلْيَتَشَبّثْ به يُخْرِجْه من حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هذه الْعَرَصاتِ إلى نُزهِ الجِنان، فَيَخْرُجُ كُلّ من كان عَلّمَه في الدنيا خيراً، أو فَتَحَ عن قلبه من الجهل قُفْلًا، أو أوضَحَ له عن شبهَةٍ. الحديث.

و عن مولانا العسكري عليه السلام:

أشدّ من يُتْمِ [ال‍] يتيمِ يتيم انْقَطَعَ عن إمامه و لا يَقْدِرُ على الوصول إليه، فلا يَدْري كيف حُكْمُه فيما ابْتُلِيَ به من شرائعِ دينِهِ، ألا فَمَنْ كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، فَهَدى الجاهِلَ بشريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى.

و عِماد ذلك كلّه و مِلاكُه تصحيح النيّة، و إخلاص الطوِيّة، و توجيهُ المَقاصدِ نحوَ لمحبوبِ. فليست المعاملةُ إلا بالقلوب؛ فإنّ الله تعالى لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكم، و إنّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكم.

رَزَقَنا اللهُ تعالى و إيّاكم نَيْلَ هذه المرتَبةِ، و حَلانا بأنوار هذه المنقبةِ، وَ جَعَلَ‌ مابَقِيَ من أيّام هذه المُهْلَة على الخيراتِ موقوفاً، و عن البَليّات مصروفاً، و أيْقَظَنا من سِنةِ الغافلين، و أخْرَجَنا عن عِداد الجاهلين؛ إنّه أكْرمُ الأكرمينَ و أجْودُ الأجودينَ.

و ها أنا قد أدّيْتُ الأمانةَ حَسبَما أُمِرتُ، و ما أرَدْتُ إِلَّا الْإِصْلٰاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

و هاهنا نَقطعُ الكلامَ حامدينَ لِلّه تعالى على آلائه، شاكرينَ على نعمائِهِ، صابرينَ على بلائِهِ، مُصَلّينَ على أكْرمِ رُسُلِهِ وَ أشْرفِ أحِبّائِهِ محمّدٍ النبيّ المصطفى و على عترتِهِ النُّجَباء، مُسَلّمِينَ مُسْتَغْفِرينَ، و الحمد للّه ربّ العالمين.

و قد فرغ من تسويد هذه الرسالة الفقيرُ إلى عفو الله تعالى و غُفْرانه: زينُ الدينِ بنُ عليّ بنِ أحمدَ، الشهيرُ بابن الحاجّة (تجاوَزَ الله تعالى عن سيّئاتِه و وَفّقه لمرضاته). و كان زمان تأليفها و رقمها من أوّلِها إلى آخرِها في جزء يسيرٍ من يوم قصيرٍ، و هو الخامس عشر من شهرِ شوّال من شهور سنة تسع و أربعين و تسعمائة من الهجرة النبويّة على مشرّفها السلام و التحيّة حامِداً مُصَلّياً مُسَلّماً مُستغفراً، ربّ اختِمْ بخيرٍ، آمينَ ربّ العالمين، و الحمد للّه وحدَه، و صلّى الله على مَن لا نَبِيّ بعده محمّدٍ و آلِه.

  


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=138
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20