حلقة اذاعية في 29 محرم 1437

حلقة اذاعية في 29 محرم 1437
 

 

إذاعة الروضة الحسينية المقدسة تقدم
من إعداد وتقديم: حسن كاظم الفتال
إخراج: حيدر الركابي

المقدم: مستمعينا الأعزاء، أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الأيام، في هذا الشهر والشهر القادم الذي نعيش فيه مناسبة استذكار استشهاد ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الإمام الحسين (عليه السلام).

ونحن في هذه الأيام، وهذا البرنامج هو برنامج "أنتم الفقيه". قبل أن أتحدث وقبل أن أبدأ، عليَّ أن أرحب بسماحة الشيخ مصطفى العاملي. أهلاً وسهلاً سماحة الشيخ.

الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً بكم، حفظكم الله ورعاكم.

المقدم: حياكم الله سماحة الشيخ. طبعاً، أنا حقيقةً لا أعلم ولا أدري إذا كان هناك محور معين أو أمر معين ربما من الحلقة الماضية وأرجأتم شيئاً منه أو بعضاً منه إلى هذه الحلقة. على أي حال، نحن في هذه الأيام، لك مطلق الحرية يا أبا أسيل، ابدأ من حيث أردت.

نحن نعيش مأساة عاشوراء، ومأساة عاشوراء طبعاً فيها عدة جوانب ولها عدة أبعاد، وأيضاً لها عدة معطيات وإفرازات ونتائج. وهناك من هذه الجوانب المهمة في القضية الحسينية، طبعاً القضية الحسينية لها أيضاً متعلقات ولها جانب مهم هو الجانب العقائدي والجانب الفقهي والجانب الاجتماعي، وهو حتماً يرتبط بالجانب العقائدي والجانب الفقهي. فنحن نأخذ اليوم الجانب الاجتماعي في القضية الحسينية. الآن نحن في هذه الأيام زيارات، وستُقبل علينا زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، فهناك جوانب اجتماعية مهمة علينا مراعاتها. فما هو رأيكم؟

الشيخ مصطفى العاملي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير الرسل وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

بدايةً، نتقدم بالعزاء لجميع المستمعين الكرام ولجميع المحبين والموالين في مشارق الأرض ومغاربها في هذه الأيام الأليمة، وخاصة في مثل هذا اليوم أو الغد الذي يصادف ذكرى دخول موكب سبايا آل الرسول إلى الشام سنة 61 للهجرة. هذه الذكرى الأليمة على قلب الأئمة (عليهم السلام)، التي ما ذكرها الإمام الصادق (عليه السلام) إلا وبكى، وقيل له: "وأنت بما أنت تبكي؟" كان مما أجاب: "هل هناك يوم حصل فيه سبي لأحد من آل الرسول مثل ذاك اليوم؟" طبعاً هذا معنى الكلام، وهذا ينصب في كلام اليوم: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".

هذا اليوم الأليم على آل بيت الرسول، ونجد في أيامنا هذه جموع المحبين قد انطلقت من أقاصي العراق، من البصرة أو أبعد من البصرة، منذ أيام بدأوا بمسيرة المشي نحو كربلاء للسلام على الحسين (عليه السلام) ليقولوا: "لبيك داعي الله". هذه الذكريات الأليمة تجعلنا، كما أشرت أخي الكريم أبو أسيل، نتجه للبحث حول قضايا ترتبط بهذا المسير.

يعني الآن هناك حالة فريدة من نوعها في العالم، الذي يبدأ أمر غير اعتيادي، غير طبيعي. من الآن، من بداية—نحن على مقربة ربما الليلة أو غداً من بداية شهر صفر—إلى يوم الأربعين، يعني يوم العشرين من صفر، هناك أمر غير اعتيادي يعيشه الناس. لم يسلّط الإعلام الضوء على هذا الجانب على الإطلاق، ولم يستطع أحد من العالم أن يفهم حقيقة ما يجري. كلهم ينظرون ويتحدثون ويكتبون باستغراب عن هذه المسيرة الطويلة المليونية التي ربما من الأسبوع الأول أو العشرة أيام الأوائل يبدأ وصول الزائرين إلى كربلاء، وصولاً إلى يوم الأربعين. هذا الجمع الغفير الذي يأتي ويلاقي على الطريق أمراً أيضاً ليس معهوداً عند أحد في العالم، من استقبال، من مضيف، من خدمات. كلها طبعاً، الجميع الذي يعايش هذه المسيرة يعرفها، ولا أعتقد أن أحداً ممن يستمع إلينا لا يعرف ما يرتبط بهذا المسير.

هناك أمور لا بد من لفت النظر إليها ضمن هذا المسير ليكون متكاملاً. والتكامل في الموضوع هو أن يكون هناك انسجام بين البعد العقائدي والعاطفي الذي يحركنا. يعني هذه المسيرة التي يشترك فيها الرجل الكبير والصغير، حتى أن هناك مناظر سجلتها بعض المحطات ونشاهدها بأم العين لبعض المقعدين، بعضهم على عكاز، الكبير، الصغير، النساء، جميع شرائح المجتمع التي تمشي، وفي نفس الوقت تجد كل الشرائح أيضاً تحاول تقديم خدماتها على الطريق. كل ما يمكن أن يقدمه الإنسان تجد نموذجه على الطريق.

هذا الجانب العقائدي والعاطفي الذي يدفع الناس، لا بد من أن يتكامل مع سلوكيات وتصرفات مراعية للموازين الشرعية الفقهية ليكون العمل كاملاً. وعندما يتكامل العمل بجنبتيه العقائدية من جهة، والعاطفية والفقهية من جهة أخرى، معنى ذلك أن الإنسان قد وصل إلى المراتب العليا في عمله، وحينئذٍ يكون في كل خطوة له—لا أعرف، تعجز الآلات الحاسبة عن إحصاء ما يناله الزائر في مثل هذه الحالة.

المقدم: إذاً، كيف يمكن لهذا الذي تفضلتم به، الاقتران؟ علينا أن نقرن الصيرورة إلى اقتران الجانب الاجتماعي والعقائدي والعاطفي. كيف يمكن أن نظهر ذلك ونثبت ذلك؟

الشيخ مصطفى العاملي: نعم، هناك مجموعة قضايا لا بد من الالتفات إليها. طبعاً هنا، كما قلت، الجانب الاستثنائي الذي نراه بشكل عام هو حالة التكافل التي يعيشها الجميع، يعني لا أحد يتضجر من أحد. فعلاً الإنسان في هذه الأيام يصبح إنساناً آخر، وأعتقد أن الكثيرين يعودون إلى واقعهم الاعتيادي بعد ظاهرة يوم الأربعين.

وسبق وتحدثت في بعض المناسبات عن نماذج عشتها في بعض السنين. يعني أذكر مثلاً في إحدى السنوات هنا في كربلاء، كنا في السنوات الأولى أعتقد التي بدأنا نأتي بها للزيارة في أيام الأربعين، سكنّا هنا في فندق قريب. نأتي صباحاً وظهراً ومساءً إلى الحرم. بقربنا، بقرب الفندق، كان هناك فرن خباز. طوال الأيام العشرة التي سبقت زيارة الأربعين، نمر ثلاث مرات أمام الخباز ذهاباً وثلاث مرات إياباً، ولا تجد أمامه إلا القليل ممن يريد أن يشتري الخبز، مع أكياس الطحين المجمّعة. في اليوم الأخير، بعد أن انتهت مراسم الزيارة بعد ظهر الأربعين، ونحن راجعون إلى الفندق، وإذ أشاهد ازدحاماً في الشارع. قلت: ماذا يجري؟ هل هناك أمر ليس اعتيادياً؟ هل هناك أمر ما؟ واقتربت وإذ هذا الازدحام على الخباز! وإذ بالناس الآن قد عادت، يعني طوال الأيام السابقة لا أحد يشتري لأن كل شيء مبذول ومقدم لهم، بينما الآن انتهت الزيارة، فالذي يريد شيئاً عليه أن يذهب ويشتري.

هذه واحدة من الصور التي تظهر حالة التكافل الاجتماعي. الذي أريد أن أقوله هو أن هذا التكافل الاجتماعي والخدمات التي تقدم، لا بد من أن تكون هناك مراعاة والتفات. لا شك ولا ريب أن الذي يُقدم على مثل هذه الأمور هو يبتغي رضوان الله سبحانه وتعالى، ولكن الالتفات إلى بعض الأمور التي قد تغيب عن باله لا بد من أخذها بعين الاعتبار حتى لا يقع الإنسان في أخطاء. وهذه لها جانبان: جانب يتناول سلوكياته كفرد، وجانب يتناول علاقاته مع الآخرين.

إذا أردنا أن نتحدث عن السلوكيات المرتبطة بالفرد، هذا الشاب أو هذه المرأة أو هذا الرجل الكبير القادم ليل نهار يشق عباب الليل، وخاصة في هذه الأيام الباردة والتي ستبرد أكثر في أيام الأربعين، لا بد من أن يلتفت أولاً إلى مسألة أداء واجباته الشخصية. يعني عندك موضوع الصلاة. الصلاة لا بد من أن تكون هناك التفاتة، ويحاول دائماً أن يؤدي الصلاة في أول وقتها، لأنه كما يريد أن يحصل الثواب من الزيارة، الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: "إن لك من صلاتك بقدر ما أقبلت فيها على الله". وأفضل الأوقات لأداء الصلاة هو أول الوقت، فكلما تأخرت، كلما نقص من ثواب أدائك للصلاة.

فالالتفات إلى هذه المسألة، قد يقول قائل إنني أحياناً قد تتنجس ثيابي مثلاً، تحصل معه بعض الأمور. مهما كانت الأمور يمكن أن يعالجها. يعني هناك من الناحية الفقهية جواب لكل حالة من الحالات. إذا لم يتمكن من الوضوء مثلاً، صادف في بقعة من الأرض وستشرق الشمس صباحاً ولم يجد ماءً للوضوء، يتيمم مثلاً، وهكذا كثير من الأمور. فالمهم الالتفات إلى مثل هذه الأمور كالصلاة، هذا أمر مهم جداً.

المقدم: سماحة الشيخ، عفواً. الآن هذا الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية "موسم عبادي". موسم المشي موسم عبادي طبعاً. هذه الجموع التي تُقدم وتأتي بروحية خاصة معينة، وهذه الروحية التي تفضلتم بها من الألفة، الألفة الاجتماعية وعدم الانتباه لأي شيء سوى الهدف الواحد الذي يسيّر هذه الجموع. هذه الروحية ما هو مؤداها؟ هل هذه الروحية أحياناً، يقال إنها وقتية، آنية؟ هي فعلاً وقتية؟ هل هناك وراءها شيء؟ هل نستطيع أن نعزوها إلى التحليل النفسي مثلاً؟

الشيخ مصطفى العاملي: نعم، هناك جانب يرتبط بدوافع ذاتية عند الإنسان. نحن نعرف أنه أحياناً إذا كان الإنسان يبعد عن عمله 2 كيلومتر، يعمل المستحيل ليذهب بالسيارة. الآن إذا كان أطفالنا أو أولادنا، المدرسة تبعد مثلاً مسافة أمتار، نفكر كيف نؤمن السيارة. إذن الإنسان بحالته الاعتيادية يسعى للترفيه عن نفسه، لأن يتحرك براحة. أي مكان يقصده بالسيارة، والسيارة في فصل الصيف يحتاجها أن تكون فيها مكيف، وفي الشتاء يكون فيها تدفئة، وتكون السيارة مؤهلة لكل هذه الأمور.

طيب، هذه الحالة الاعتيادية التي نعيشها في حياتنا، في موضوع زيارة الأربعين خاصة، هناك مشاعر أخرى تغلب على الإنسان. نحن اليوم، أشرت في بداية الكلام، نحن على مقربة وربما هذا هو وقت دخول موكب السبايا. موكب السبايا يعني أُخذ من كربلاء إلى الكوفة، ومن الكوفة في رحلة نحو شمال العراق إلى ديار بكر في تركيا، إلى سوريا (حلب، حماة)، إلى لبنان (بعلبك)، ودخلوا دمشق من الناحية الغربية، من ناحية لبنان، إلى دمشق. هذه أرادها الأعداء مسيرة استعراضية. نحن نستذكر هذه المناسبة، ونستذكر ارتباط هؤلاء بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، ونستذكر قوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}، ونتبرأ من كل من آذى عترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي نعبر عن مشاعرنا بمواساتهم في هذا المسير الذي نأتي به إلى كربلاء لنعيش مع آل البيت. هذا البعد العاطفي النابع عن جانب عقائدي يجعل الإنسان يتغير في سلوكياته عن كل تلك الجوانب، وبالتالي نجد هناك خصوصية في هذا السلوك نحو هذا الهدف.

المقدم: إذن، يُطلب من الأخ المخرج أن نقرأ على حضرات المستمعين الأفاضل أرقام الهواتف لأننا معهم على الهواء مباشرة. ونذكرهم بأرقام الهواتف:

الهاتف الأرضي: 325706

الأثير: 07801950909

أمنية (مجاني من أمنية إلى أمنية): 077096021515

ويبدو أن هناك اتصالاً.

[مداخلات هاتفية]

المقدم: نعم، تفضلوا.

المتصلة (الأخت شيماء): عليكم السلام ورحمة الله. أهلاً ومرحباً. أعظم الله أجورنا وأجوركم.
المقدم: تعالى أختي، أعظم الله لكم الأجر، أهلاً وسهلاً، وأحسن الله لكم العزاء أخت شيماء، أهلاً ومرحباً. تفضلي.
الأخت شيماء: أحسن الله إليكم. عندي سؤالين، الأول: شخص نذر أن يذهب مشياً، ولكن هذه ظروف قاهرة تمنعه أنه ما يرحل مشياً، ومن الممكن أنه صحته تردّت. هذه الحالة كيف يتلافها؟ نعم. السؤال الثاني: مرات الزوار اللي يجون عندنا داخل البيت، هو ماكو واحد كامل، الكمال لله سبحانه وتعالى، تصدر بعض الهفوات. صاحب البيت يقول: أنا إكراماً للحسين سلام الله عليه ما أعاتب هذا الشخص وأتكلم. هل تبقى قواعدنا الإسلامية موجودة؟ أتمنى توضيح من الشيخ. شكراً جزيلاً.
المقدم: شكراً جزيلاً.

المقدم: نعم، تفضل يا سيد بدر.
المتصل (سيد بدر): السلام عليكم.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
سيد بدر: بارك الله فيكم وعليه جميعاً. أستمع إلى الشيخ. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد. بارك الله في شيخنا مصطفى العاملي. نشوف اليوم تكلمتوا عن لب الشعائر وعن الإمام...
(تداخل في الحديث...)

المقدم: نعم يا أخي أبو طيبة، تفضلوا.
المتصل (أبو طيبة): من هو حسين زماننا لنقول له لبيك؟ ومن هو يزيد زماننا لنقول له "نحن حرب لمن حاربك ومثلك لا يبايع مثلي"؟ لأن امتحاننا اليوم ليس 61 هجرة. حتى زينب (عليها السلام) عندما وقفت في قصر يزيد لم تتحدث عن ظلم نمرود لإبراهيم ولم تتحدث عن مأساة الزهراء، تحدثت عن مأساة الأمة في يومها. نريد أن نعرف كيف نحضر في كربلاء المدينة، كيف نغير على ناس كربلاء الحسين (عليه السلام)؟ هل يمكن لأنصار الحسين أن يكونوا سطحيين وتؤثر فيهم أي وسيلة إعلام وتخويف وإرجاف؟ هل يمكن لأنصار الحسين أن يكونوا معادلة تُهمل في الحسابات الدولية والإقليمية ولا يهمهم إلا الأمور الفردية، عدد الحسنات، عدد الخطوات في عدد الحسنات، ولا يحملون هم الإسلام كما حمله الحسين؟ هل يليق بمن ينتسبون للحسين (عليه السلام) أن يكونوا بيادق سطحية والهوى الأعلى همهم؟ المطلوب منهم أن يكونوا أنصار حفيد الحسين، الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، أو بمعنى آخر، هل يمكن أن يستفيد منهم القائم (عجل الله تعالى فرجه)؟ أم فقط نكتفي بالجانب الفردي؟ شكراً جزيلاً.
المقدم: شكراً، شكراً يا أبو طيبة.

المقدم: إذاً، نأخذ فاصلاً قصيراً ثم نعود ليجيب سماحة الشيخ على هذه الأسئلة وهذه الآراء القيمة. أعزائي المستمعين، فاصل قصير ثم نعود.

[فاصل إنشادي]

تركنا الخلق طُرّاً وأتيناك
وذُبنا فيك حباً مذ رأيناك
جمالاً يوسفيّاً ونبعاً كوثريّا
جمالاً يوسفيّاً ونبعاً كوثريّا

المقدم: نعم أعزائي المستمعين، أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام). ونواصل الحديث مع سماحة الشيخ مصطفى العاملي ليجيب عن الأسئلة.

الأخت شيماء تقول: نذر شخص أن يذهب مشياً على الأقدام للإمام الحسين (عليه السلام) وتحقق مراده، ولكن لم يستطع لأسباب ربما صحية أو تردي الصحة أو غير ذلك. فماذا يكون؟

الشيخ مصطفى العاملي: بسم الله الرحمن الرحيم. في واقع الحال، النذر عندما يكون هناك نذر وتتم عقد نية النذر بالصيغة الشرعية ويتحقق، يكون ملزماً، ولكن هذا الإلزام مقيد بالإمكانية. نعم. يعني مثل الذي أشارت له الأخت شيماء، أنه إنسان نذر لله نذراً أنه إذا تحقق الغرض الفلاني أن يذهب مشياً لزيارة الحسين (عليه السلام)، فتحقق الغرض. هنا نقول وجب الوفاء بالنذر. ولكن بما أن هذا النذر متعذر، يعني الوفاء بهذا النذر متعذر بهذه الخصوصية، فهنا السؤال الذي يطرح: تارة يكون النذر بأن يأتي مرة واحدة، وتارة أن يكون نذر هذه السنة، أو يكون نذر أن يأتي بالزيارة.

فهنا في مثل هذه الحالة، قد يكون الأغلب في طرق النذر أن ينذر زيارة الحسين (عليه السلام)، ولكن قد لا يكون ذلك منحصراً في سنة معينة. في مثل هذه الحالة، إذا لم يكن نذره كل سنة—خلينا نعطي كل الاحتمالات—إذا كان ناذراً أن يذهب كل سنة للزيارة، وفي سنةٍ ما لم يتمكن، وفي سنة أخرى تمكن، فعندما يتمكن يذهب وليس عليه شيء في ذلك. هذه الصورة الأولى.

في صورة ثانية، أن يكون النذر في نفس السنة التي يتحقق فيها النذر فقط، ولكن تعذر عليه المشي. في مثل هذه الحالة، سقط التكليف عنه وليس عليه شيء، لأن النذر كان في هذه السنة التي يتحقق فيها النذر، وهو لم يتمكن من المشي لظرف صحي أو ظرف معين يمنعه من ذلك، فهنا يسقط وليس عليه شيء.

وتارة يكون لا، هو تحقق النذر ولكن نذره أن يذهب للزيارة لم يقيدها في هذه السنة. ففي مثل هذه الحالة، إذا ما تمكن هذه السنة مثلاً، يمكنه إن شاء الله في سنة لاحقة أو بعدها حتى يتمكن. وإذا لم يتمكن مطلقاً، ربما تقول إنه صار عنده ظرف صحي طارئ بحيث لا يستطيع المشي مطلقاً، في هذه الحالة طبعاً هناك طريقة، يعني إذا كان يذهب مع المشاة ويكون على عربة مثلاً، إذا أيضاً هذه كانت متعذرة، ففي مثل هذه الحالة يسقط النذر وليس عليه شيء، ويدعو للزوار والزائرين، ويتقبل الله منه إن شاء الله.

المقدم: أحسنتم. هذا حول السؤال الأول. الشطر الثاني أو السؤال الثاني، أنه يعني بعض الزائرين عندما نستقبلهم، يظهر منهم بعض التصرفات، فيقول صاحب البيت أو صاحب المنزل الذي يسكنون فيه، قد يستاء من بعض التصرفات أو لا يرضى عنها، ولكن البعض يقول: "لا، هؤلاء زوار الحسين، لا بأس".

الشيخ مصطفى العاملي: نعم، هنا لا بد من أن نميز بين أمرين. نعم، هذه الهفوات اللي سمتها الأخت شيماء تصدر من بعض الزوار، هذه الهفوات تارة يكون لها بعد اجتماعي. نعرف أحياناً العادات تختلف، ويأتينا زوار من بلاد متعددة ومستويات متعددة. يعني قد يكون الذي اعتبرناه هفوة هو قلة أو عدم حسن تصرف من هذا الإنسان. لنفترض مثلاً لم يحافظ على الفراش، كسر بعض الأثاث، ما أشبه ذلك. وقال: "لا أريد أن أعاتبه إكراماً". لا شك ولا ريب أن صاحب الدار له ثواب على ذلك، لأنه تأذى مادياً مثلاً أو ما أشبه ذلك، وإكراماً للحسين (عليه السلام) باعتبار أن هذا زائر، فهو لم يظهر حتى انزعاجه. هذا له ثواب كبير.

أو حتى لو كانت المسألة معنوية، مثلاً، قد يعتبر—أعطي مثالاً—أحياناً بعض الأعراف الاجتماعية قد تكون مورد اهتمام عند البعض وليست مورد التفات عند الآخرين. يعني مثلاً، يأتيك مضيفك بقهوة، فإذا رددت الفنجان باليد اليسرى مثلاً، بعضهم يعتبرونها (إهانة)، وبعضهم لا، يعتبرونها أمراً عادياً عندهم. فالمسألة تختلف باختلاف الطباع والتقاليد والأعراف. فقد تكون المسألة من هذا الباب أيضاً، فعدم إظهار الانزعاج، لا شك ولا ريب أن هذا الإنسان له ثواب.

ولكن في صورة ثانية، التي نعبر عنها أنه قد تكون هناك مسألة فيها مخالفة شرعية. في مسألة المخالفة الشرعية، نحن إذا شاهدنا إنساناً—مثلاً عدم إحسان الصلاة بشكل معين—إذا كان متمكناً من لفت النظر وتصحيح هذا الأمر لهذا الزائر، فيكسب ثواباً بما لو بيّن له هذا الأمر. لماذا؟ لأن هذه مسألة تعود لأمر شرعي، وهذا الأمر الشرعي—كما كنا نتحدث—يكمل عمل الزائر. يعني الجانب العقائدي والجانب العاطفي مع جانب الالتزام بالأمور الشرعية، فمعناها تصبح زيارته أكمل وأتم. وأنت كصاحب بيت عندما تستضيف إنساناً وتشاهد بعض الأمور، وطبعاً مع إمكانية التأثير، يعني تعرف أنه يمكنك أن تؤثر إذا لفتّ النظر، فهكذا تكون بذلك قد ساعدت على أن يكسب هذا الزائر ثواباً أكثر، وأنت تكسب أيضاً ثواباً في ذلك.

المقدم: على ذكر الشرعية، يعني بعض الأحيان أضيف الآن، عندما يُستضاف في مكان معين، ينبغي له أن يراعي الأمور الشرعية، ومن الأمور الشرعية أنه يلتزم بما يعتني به صاحب المحل. فهذا أيضاً له علاقة بالأمر الشرعي. يعني يلتزم بما يراعي، حتى في المكان. أحياناً المضيف يختار المكان وهذا يغير هذا المكان. يعني مثلاً أحياناً صاحب دار عنده أربع أو خمس غرف، يقول: هذه تفضلوا للزوار، تصرفوا فيها. بس هذه الغرفة رجاءً لا أحد يستعملها. لا بد من مراعاة مثل هذه المسائل.

الشيخ مصطفى العاملي: فيما يتعلق بسؤال السيد بدر عن أصل المشي. عندما نتحدث عن حكم شرعي، الأحكام الشرعية لها عدة عناوين لتحديدها. تارةً يكون لدينا ما نسميه عنواناً شرعياً خاصاً، مثل "أقم الصلاة". وتارةً نفهم الحكم من عنوان شرعي عام، مثلاً: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. أو مثلاً حديث الإمام الصادق (عليه السلام): "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا". إذن هذا عندنا عنوان شرعي عام، وهذا العنوان ينطبق على مصاديق متعددة، كل مصداق ينطبق عليه هذا العنوان فهو حينئذٍ يكون من مصاديق المأمور به.

بخصوص المشي لزيارة الحسين (عليه السلام)، عندنا روايات تتحدث عن ذلك. عندنا ثلاث مجموعات أساسية من الروايات:

مجموعة تتحدث عن فضل زيارة الحسين (عليه السلام) بشكل مطلق: وهذه لا عد لها ولا حصر.

مجموعة تتحدث عن زيارات مخصوصة: مثل زيارة عرفة، زيارة شعبان، زيارة ليلة الأضحى، وأبرزها زيارة عاشوراء وزيارة الأربعين.

مجموعة تتحدث عن كيفية الزيارة: ومنها المشي. فبالمشي ورد عندنا العديد من الروايات عن زيارة المشي، ووجدتها لإمامين: زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي أكثر الروايات، وتقول: "من زاره ماشياً فله كذا وكذا"، ووجدت روايات تتحدث عن زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشياً.

فالمشي لزيارة هذين الإمامين له أصل في الروايات، وأبرزها ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام)، ولعل أبرز تجلياتها هو الذي يحصل في الأربعين، لأن له رمزية خاصة.

المقدم: سماحة الشيخ، بالنسبة لأبو طيبة... أنا أقول لأنه البرنامج "أنتم الفقيه" ولم نجب عن أي سؤال فقهي، فنرجع معذرة...

الشيخ مصطفى العاملي: الأسئلة التي سأل عنها أبو كمال أولاً نجيب عليها.
المقدم: فيما يتحدث في السؤال الأول، كيف يطهر الحذاء؟ هل يحتاج إلى تسمية؟
الشيخ مصطفى العاملي: لا! الحذاء ليس... يعني ما في عندنا في عملية التطهير... خليني أوضح شغلة عزيزي المستمع، بموضوع الطهارة عندنا التطهير على نوعين: طهارة نسميها طهارة حدثية، وطهارة نسميها طهارة خبثية. يعني إذا شيء نجس على يدك أو على جسمك أو على ثوبك، هذا لا يحتاج إلى نية في عملية التطهير. بمجرد أن يصل إليه الماء يتم تطهيره. أما الطهارة التي تحتاج إلى نية فهي مثل الوضوء والغسل. فمثل هذه الأشياء، الحذاء وغيره، تطهيرها من الخبث لا يحتاج لا إلى نية ولا إلى تسمية ولا إلى شيء. التسمية بشكل عام مستحبة على كل شيء، ولكن ليست خاصة بهذه المسألة.

المقدم: يقول هو يأم الجماعة، ويبدو أن الازدحام حدث بأن البعض لا يستطيع الوقوف في الصفوف، فتقدم إلى صف وأصبح بصف الإمام.
الشيخ مصطفى العاملي: نعم، هنا فيما يتعلق بالصفوف، تارة نتحدث عن التقدم بلحاظ نفس الصف، يعني أنت بالصف الأول أو الثاني ومتقدم قليلاً عن الذي بجنبك، هذه المسألة لا تؤثر. ولكن إذا صار تقدم على الإمام، نعم هذه لا تصح، لأنه لا يصح أن تكون متقدماً على الإمام، ولا يصح أيضاً أن تكون منخفضاً عنه، بل يجب ألا يكون موقف الإمام أعلى من المأموم.

المقدم: إذاً، لا أعتقد أن دقيقتين تفي بأن نجيب الأخ أبو طيبة.
الشيخ مصطفى العاملي: طبعاً، بس بدي أحكي كلمة صغيرة. من هو حسين زماننا؟ هذه نقول بوضوح: عندنا حسين واحد. نعم، عندنا أناس تسير على نهج الحسين. وحتى في كلمة شائعة أحياناً تردد: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"، يجب التوقف عندها، لأنه عندنا كربلاء واحدة وعاشوراء واحدة، والإمام الصادق (عليه السلام) قال: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
وأما أن نحضر كربلاء، إن شاء الله نحن نحضر كربلاء ليس المدينة، بل كربلاء الحسين، كربلاء المدرسة، كربلاء العبرة، كربلاء العظة، كربلاء الموعظة.

المقدم: أحسنتم. شكراً جزيلاً سماحة الشيخ. أكثر من مرة أشار لي المخرج بانتهاء الوقت. وشكراً له أيضاً. وشكراً لكل أعزائي المستمعين، شكراً لحسن متابعتكم ولمساهماتكم. وأيضاً إن شاء الله ربما سأستمر لأني استمتعت الآن بالفيوضات التي أفاض بها علينا سماحة الشيخ حقيقةً، ويوم السبت إن شاء الله سأتحدث عن بعض هذه الأمور بفضل وجود سماحة الشيخ. شكراً جزيلاً مرة أخرى سماحة الشيخ.
الشيخ مصطفى العاملي: حفظكم الله ورعاكم وتقبل الله عملكم، وأعظم الله أجوركم وأجور المستمعين الكرام والمحبين والموالين.
المقدم: أحسنتم. إذاً، وشكراً للأخ المخرج. وإلى أن ألتقيكم أحبتي المستمعين في ملتقى آخر، أستودعكم الله وأترككم في حفظه وأمانه.

إذاعة الروضة الحسينية المقدسة
برنامج من إعداد وتقديم: حسن كاظم الفتال
إخراج: حيدر الركابي