• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : خواطر .
                    • الموضوع : مواكب العزاء في قم .

مواكب العزاء في قم

                          

   اليوم هو الثامن والعشرون من شهر صفر ، يا له من يوم بما يحمله من ذكريات.

   هو اليوم الذي انتقل فيه رسول الانسانية الى الرفيق الاعلى بعد أن أغمض عينيه عن النظر الى اولئك الذين اجتمعوا حوله يودعونه ، وهو يسمع من أحدهم مقولته : إنه ليهجر.

 

ساعد الله قلبك يا رسول الله وأنت في ساعتك الاخيرة بين صحب أفنيت عمرك بينهم في سبيل أن تنقلهم من الظلمات الى النور، بعد أن أبلغتهم رسالات ربك بنصح وأمانة، وأردت أن تطمئن عليهم من بعدك فقلت لهم في ساعتك الاخيرة ، آتوني بدواة وقرطاس  كي أملي عليكم ما لو كتبتموه فلن تظلوا بعدي أبدا الى قيام الساعة، ولن يستطيع أحد من المنافقين الذين شاء الله أن لا أفضح أسماءهم بأن يغير شيئا او يبدل فيما أتيتكم به.

سأضع لكم فيما سأملي ضوابط تكشف لكم الغث من السمين، بكل تصريح وتوكيد بعد أن ابلغتكم بكل ذلك بالتلميح، والتذكير، والبيان.

وها أنذا أرغب قبل مغادرتي إياكم للقاء ربي الذي قال عني: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم : 3و4]. الى حيث سيعطيني فأرضى.

 أرغب في هذه الساعة الأخيرة أن لا أبقي عذرا لمعتذر، سأكشف لكم الحقيقة التي طالما أوضحتها لكم في مواطن كثيرة ، وليس يوم الغدير القريب منكم ببعيد.

هذه كانت رغبتك يا رسول الله في ساعتك الاخيرة ، فما الذي حصل في تلك الساعة حتى قال ابن عباس  عن تلك الساعة : بأنها .. الرزية كل الرزية ...

هاأنت تخاطبهم بكل عطف وحنان فتسمع قائلهم يقول: حسبنا كتاب الله. إنه ليهجر.

 

كم كان وقع هذه الكلمات مؤلما لقلبك الكبير والطاهر؟

وها هم صحبك ينقسمون بين راد على ذاك المتجرئ عليك ، وبين واقف خلفه ومؤيد.

ها أنت يا رسول الله ترى بأم عينك ما سيصير اليه جمعهم من فرقة وتشرذم وأنت الخائف عليهم هذا المصير. فيعلوا صوتهم ونزاعهم بحضرتك في الوقت الذي كان من الاجدر بهم أن يستمعوا الى حسيس أنفاسك وليس الى كلماتك فحسب. فتطردهم من حضرتك وتبقى في حضن الخاسر الاكبر، والمظلوم الاكبر.

ذاك الذي آخيت بينه وبين نفسك، وزوجته ابنتك بأمر ربك ، ابنتك التي هي بضعة منك والتي يؤذيك ما يؤذيها، ذاك الذي كانت أبناؤه أبناؤك.

فكانت الرزية كل الرزية ، والبلية كل البلية على أمة لم ترع حق رسولها، ولم تلتفت الى ما كان حذرهم منه الباري تعالى عندما أوحى اليك، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران : 144].

وكأنك يا رسول الله في تلك الساعة تذكر قوله تعالى وقلبك يتفطر ألما وحزنا( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر : 8] .

فطردتهم موبخا وقائلا: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع.

أردت يا رسول الله أن تمنع نزاعهم بعدك فتنازعوا أمامك وتركتهم الى خالقك.

***

   تذكرت كلام حبر الأمة الذي كان يبكي حتى يبتل الحصى من دموعة عندما يتذكر هذا اليوم الذي عبر عنه بأنه يوم الرزية عندما توجهت اليوم نحو حرم السيدة المعصومة شقيقة الامام الرضا في مدينة قم التي اتشحت بالسواد وغصت الشوارع بمواكب العزاء على قرع الطبول ، ولطم الجنزير ، وصوت القراء.

اليوم هو ذكرى وفاة رسول الانسانية ، وفيه ذكرى ثانية ، ألا وهي ذكرى  شهادة سبط رسول الله الحسن بن علي المجتبى.

مواكب العزاء في هاتين المناسبتين المندكتين في يوم واحد تترك أثرا في النفس، وفي صحن الحرم الشريف ، شاهدت نعشا محمولا أمام أحد المواكب..

دمعت العين وتذكرت كلام ابن عباس في هذا اليوم أيضا عندما رميت جنازة الحسن بالسهام بعد أن قادت المعترضين عائشة وهي راكبة على بغل و هي تقول: تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب؟

فيجيبها ابن عباس: واسوآتاه .. يوما على بغل ويوما على جمل، يوما تجملت ، ويوما تبغلت ، ولو عشت تفيلت.

أنظر الى تلك الجنازة الرمزية التي تعلقت بها السهام، سهام مروان بن الحكم وصحبه الأربعين الذين تقودهم ( ام المؤمنين ) .

                           ***

ما هذا الحقد الذي يعتمر في النفوس؟ ما هذه الكراهية ؟ ما هذه العقول المتحجرة؟

لنبيهم يقولون : أنه ليهجر، وعندما لا يستطيع اتباعهم إنكار هذا الموقف فيقولون إن عمر بن الخطاب قد قال: غلب عليه الوجع.

عذر أقبح من ذنب.

هذا ما قيل لرسول الله في ساعته الاخيرة.

وبعد سنوات بل وبعد أربعين سنة يمنع ابن رسول الله من أن يدفن بجانب قبر جده  وتظهر ما تخفي النفوس من ضغائن ، ويرمى بالنبال.

وتتكرر المآسي في هذه الامة المنكوبة التي لم تستمع لصوت نبيها ونصائحه فيذبح ابنه الثاني ويحمل رأسه على رمح من بلد الى بلد.

وتستمر المآسي حتى زماننا ، فلم يعد باستطاعة تلك النفوس ان ترى قبرا شامخا لأبناء الرسول ، فمنذ سنين هدمت قبور الائمة في البقيع، وبالامس القريب يفجر قبر الهاديين في سامراء، وفي كل يوم لائحة تضاف الى ضحايا القلوب السوداء..

ساعد الله قلبك يا رسول الله وأنت تنظر الى ما آلت اليه أمتك التي أردتها أن تكون خير الامم.

ليس لنا إلا نذرف الدمع حزنا ، ونلطم الصدر أسى ، وننتظر الفرج الموعود.

 

 

 

  

 

  


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=42
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2006 / 03 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29