ذهبت في أحد الايام مع أخي الى موقف السيارات المتجهة من مدينة قم المشرفة الى طهران عاصمة جمهورية إيران الاسلامية.
جلسنا في المقعد الخلفي للسيارة على أن ندفع أجرة ثلاث ركاب ، ووقف السائق ينتظر راكبين كي يجلسا على المقعد الامامي ، وكان هذا قبل أن يبدأ تنفيذ قرار حضر ركوب شخصين بجانب السائق على خطوط السفر خارج المدينة .
وفي هذه الاثناء وفي حركة من السائق لها الكثير من الدلالات أقدم السائق – دون مراعاة لوجود رجلي دين – على تشغيل جهاز الراديو وبصوت مرتفع على موسيقى صاخبة ، وكأننا في حفلة ينقصها الرقص.
نظر أخي في وجهي فقلت له لا نستطيع أن نذهب مع هذا السائق على هذه الحال، وبما أن أخي كانت رغبته في أن نستقل السيارة بدل الباص، فقد بادر السائق طالبا منه إخفاض الصوت ، ولم يطلب منه اطفاءه.
وهنا كانت المفاجأة ..
لقد انتفض السائق كمن أصابه مس وأجاب بصوت مرتفع .
انظر .. لا يوجد شيئ في المسجلة .. انه صوت الراديو..
راديو الجمهورية الاسلامية .. فهل يذيع الراديو شيئا حراما؟؟
وهل تخالف انت الجمهورية الاسلامية؟
في الحقيقة كنت أنتظر أي جواب أسمعه إلا ما سمعت.
ولكي أخرج نفسي وأخي من هذه الورطة !!
قلت له أنا لا اناقشك في أنه حلال او حرام لتقول لي بأنه حلال حسب موازين الجمهورية الاسلامية لانه يبث من الراديوا وليس بواسطة كاسيت تسجيل ، بل أنني منزعج من الصوت لاننا نريد أن نتحدث .
ومن الافضل لنا أن نذهب بالباص بدل السيارة ، ونزلت من السيارة، وتبعني أخي ، وعندما شعر أنه قد خسر ثلاث ركاب ، أطفأ الراديو وقال تفضلوا ..
هذا نموذج بسيط من الحكايات والقصص الكثيرة التي تصادف الكثيرين بشكل يومي في السيارات او في بعض الاماكن العامة.
تذكرت هذه الحادثة عندما قرأت قبل أيام خبرا في عدد من وسائل الاعلام العالمية المختلفة يقول:
أصدر الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد أمرا بحظر الموسيقى الغربية والموسيقى "غير المحترمة" من محطات الاذاعة والتلفزيون الحكومية.
ويأتي الحظر بعد صدور حكم من المجلس الثوري الاعلى للثقافة الذي رأسه، بحظر الاغاني الغربية من موجات الاثير.
وقال بيان صادر عن المجلس "من المطلوب منع الموسيقى غير المهذبة والموسيقى الغربية من أن تبث في الجمهورية الاسلامية".
قلت حينئذ ..إنه قرار شجاع ، وصائب وضروري، ويحتاج الى كل دعم وتأييد.
وسرعان ما قرأت بعدها عن ردود فعل سلبية من بعض الفنانين او غيرهم تعبر عن احتجاجها على هذا القرار، فتساءلت قائلا :
هل يستطيع الرئيس محمود أحمدي نجاد بقراره الاخير والذي يحتاج الى قرارات مماثلة على أكثر من صعيد أن يكبح جماح الانحدار في المجتمع؟ أم أن الوقت صار متأخرا بعد أن استفحلت الامراض؟
لا شك أنه فيما لو اقتصرت المعالجة على بعض الجوانب السلبية الموجودة دون السعي لعلاج معمق من خلال خطوات لاحقة مدروسة، فإن هكذا خطوات لن تكون كافية، بل يخشى من أن تعطي نتائج عكسية يستثمرها الاعداء.
ولا شك في أنه سيكون لهذه الخطوة أثر في نزع صفة التشريع عن المسلكيات التي تحكم النمط العام في العلاقات بين الدولة والمجتمع.
وهل ستكون هذه الخطوة بداية لمعالجة حالات الخلل في التربية الاجتماعية والفكرية والسلوكية خاصة لدى النشئ الجديد الذي صار يشكل نقيضا عمليا لذاك النشئ من الشباب الواعي والملتزم والذي كان العنصر الفعال في نجاح الثورة، وذلك من خلال معالجة جذرية لمكامن الخلل التي خلقت حالة من الاحباط وبالتالي من ردات الفعل التي نتلمسها في المجتمع ؟
نشد على يد الرئيس نجاد في خطوته هذه متمنين له الثبات والنجاح
|