• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : لماذا نقول يا حسين ؟ .
                    • الموضوع : الحلقة الثامنة .

الحلقة الثامنة

     لقد ذكرنا في الحلقة السابقة جانبا من أدق المراحل وأخطرها التي عصفت بالامة الاسلامية بعد وفاة الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي عايشها الحسين طفلا ، والتي تمثلت بحالة الانقلاب - إن جاز التعبير ، ضمن المصطلحات الحديثة - على آل بيت الرسول عليهم صلوات الله تعالى ، وهوما كانت قد حذرت منه الاية الكريمة ، ( وما محمد الا رسول  قد خلت من بعده الرسل ، أفئن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ؟ ومن ينقلب على عقبية فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) .
     فرغم التحذير القرآني والتنبيه من الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام ، فإننا نتلمس الحدة فيما حصل ،  حيث وصل الامر الى التهديد من قبل عمر بن الخطاب بقتل علي بن أبي طالب إذا لم  يتنازل عن حقه المعلن بكل وضوح وصراحة في أنه الخليفة الشرعي لرسول الله ، واطلعنا على نصوص ثابتة في المصادر التاريخية المعتبرة من قبل إخواننا أهل السنة ،
     ونتابع اليوم جانبا آخرا من هذه المحطة والتي شكل فيها أبواه " الامام علي عليه السلام ، والصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام محور المواجهة للأمر الواقع الجديد ، وهذا الجانب تمثل في ممارسة ضغوط على بيت علي من نوع آخر ،
فلم يكن في هذا الجانب تهديد بالقتل ، بل كان فيه ضغط من نوع آخر ، وهو تجريد آل بيت النبي عليهم السلام مما يعتبر - في العرف الحديث -  مورد قوة اقتصادية ، ومورد اكتفاء لهذه الاسرة ، وذلك من خلال مصادرة ( فدك ) من فاطمة الزهراء عليها السلام،
     لقد كانت قصة فدك التي عايش أحداثها الامام الحسين عليه السلام  كانت فصلا  من فصول المواجهة ، ولم تكن هذه المواجهة متكافئة : فمن ناحية كانت الغلبة لطرف السلطة بما مارسه من تسلط سلطوي ،  ولكنها كانت من الناحية الاخرى نصرا كبيرا للزهراء عليها السلام حيث  كشفت عيوب الحكم الجديد من خلال قوة البلاغة والبيان الذي أدى الى افحام الخصم في الحوار . فكانت الزهراء عليها السلام هي الطرف المواجهة في هذه القضية .
فما هي قصة فدك ؟ وماذا حصل في تلك المرحلة ، التي عايشها الحسين عليه السلام طفلا لما يتجاوز السنين السبع من عمره ،
أولا : ما هي فدك ؟ هي قرية من قرى الجزيرة العربية كانت لليهود وقد صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها بدون قتال فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
    وفي ذلك يروي  البلاذري (-المتوفي سنة 279 للهجرة -في كتابه فتوح البلدان الجزء الاول ، صفحة 28  ) ما يلي :
     يقول : حدثنا الحسين بن الاسود قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن اسحاق ، عن الزهري ، وعبد الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا : بقيت بقية من اهل خيبر تحصنوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دمائهم ويسيرهم ، فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لانه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .
     وقد أعطاها في حياته لفاطمة عليها السلام ، ولكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، عمدت السلطة الحاكمة الى مصادرة هذة القرية من فاطمة الزهراء ، وليس لهذا التصرف من معنى إلا أنه يهدف الى تضييق الخناق الاقتصادي على المعارضة الاساسية للسلطة الجديدة والتي تتمثل ، بالخليفة المعين من قبل النبي لخلافته في غدير خم ، والمصادر دوره بعد وفاة الرسول فيما يعبر عنه بمصلحاتنا الحديثة ، انقلابا أبيضا ، دون حصول سفك دماء ،- وهذا ما سنستدل عليه لاحقا ، من كتب إخواننا أهل السنة أيضا - ولكن لكي لا نخرج عن الموضوع ، فإننا سنبقى حديثنا حول فدك ، وما حصل في حينها من مطالبة فاطمة أبا بكر بإرجاع ما صادره من ملكها فنشير الى قسم منه هنا .
ثانيا : سنكتفي في بيان هذه الفقرة بذكر النصوص الواردة ومنها :ما ورد في كتاب (- بلاغات النساء- ابن طيفور - المتوفي عام 280 للهجرة - ص 12-20) في :
( كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) :
 قال أبو الفضل ذكرت لابي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) كلام فاطمة ( عليها السلام ) عند منع أبي بكر اياها فدك وقلت له ان هؤلاء يزعمون انه مصنوع وانه من كلام أبي العيناء ( الخبر منسوق البلاغة على الكلام ) فقال لي :
 رايت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه ابناءهم وقد حدثنيه أبي عن جدى يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل ان يولد جد أبي العيناء وقد حدث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي انه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه .
 ثم قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يرون من كلام عائشة عند موت ابيها ما هو اعجب من كلام فاطمة يتحققونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت ثم ذكر الحديث قال :
    لما اجمع أبو بكر ( ره ) على منع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدك وبلغ ذلك فاطمة ( عليها السلام ) لاثت خمارها على راسها واقبلت في لمة من حفدتها تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا حتى دخلت أبي بكر  وهو في حشد من المهاجرين والانصار فنيطت دونها ملاة ثم أنت انة اجهش القوم لها بالبكاء وارتج المجلس فامهلت حتى سكن نشيج القوم وهدات فورتهم .
     فافتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
      فعاد القوم في بكائهم فلما امسكوا عادت في كلامها فقالت لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم واخا ابن عمي دون رجالكم فبلغ النذارة صادعا بالرسالة مائلا على مدرجة المشركين ضاربا لثبجهم آخذا بكظمهم يهشم الاصنام وينكث الهام حتى هزم الجمع وولوا الدبر وتغرى الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الاقدام تشربون الطرق وتقتاتون الورق اذلة خاشعين تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم فانقذكم الله برسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي وبعد ما منى بهم الرجال وذؤبان العرب ( ومردة أهل الكتاب ) .
      كلما حشوا نارا للحرب اطفاها ونجم قرن للضلال وفغرت فاغرة من المشركين قذف باخيه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطا صماخها باخمصه ويخمد لهبها بحده مكدودا في ذات الله قريبا من رسول الله سيدا في اولياء الله وانتم في بلهنية وادعون آمنون .
       حتى إذا اختار الله لنبيه دار انبيائه ظهرت خلة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الآفلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان راسه من مغرزه صارخا بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين وللغرة فيه ملاحظين فاستنهضكم فوجدكم  خفافا واجمشكم فالفاكم غضابا فوسمتم غير ابلكم واوردتموها غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل بدار ( وفي نسخة إنما ).
      زعمتم خوف الفتنة الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات منكم وانى بكم وانى تؤفكون وهذا كتاب الله بين اظهركم وزواجره بينة وشواهده لائحة واوامره واضحة ا رغبة عنه تدبرون ام بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ثم لم تريثوا إلا ريث ان تسكن نغرتها تشربون حسوا وتسرون في ارتغاء ونصبر منكم على مثل حز المدى وانتم الان تزعمون ان لا ارث لنا افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون.

  ويها معشر المهاجرين أأبتز ارث ابي .
 -الى هنا كان الخطاب موجها الى جميع الحاضرين ، ولكن في الفقرة التالية تخصص خطابها الى غريمها التي تولى الحكم بعد وفاة أبيها فتقول له : -
 أفي الكتاب ان ترث اباك ولا ارث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعه يخسر المبطلون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون .
 - وللتعبير عن مدى يأسها من استجابة القوم توجهت شاكية الى قبر الرسول  كمايذكر المؤرخون :-
 ثم انحرفت الى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تقول
   قد كان بعدك انباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
   انا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

 قال فما رأينا يوما كان اكثر باكيا ولا باكية من ذلك اليوم .
 ونترك استعراض بقية النصوص الواردة الى الحلقة التاسعة انشاء الله .


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=27
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2005 / 12 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29