• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : خواطر .
                    • الموضوع : هنيئا لك زهرة ... .

هنيئا لك زهرة ...

عندما تقسو الحياة احيانا فيجف نبع حنان البشر تتفتح في مكان آخر براعم تنبت زهرا في جداول تسقيها عصارة قلب خفق بالولاء حانيا على اعواد الشوك سابحا في بحر الانتماء زاخرا بنماذج من عطاء تجسد صورة زهر نحو عالم الخلود.
 
قبل ربع قرن من الزمن تعرفت على صورة اخرى لا يراها حتى الاقربون لانسانة اختارت مهنة الطب* لتؤدي من خلالها رسالة..
لم يكن العنوان والموقع والصفة هو الذي جذبها كما هو الحال الكثيرين..
ولم تكن الشهرة هي الهدف كما يسعى الى ذلك كثيرون..
ولم يكن المردود المادي الذي تتنعم به طبقة من أنين الالم هو الذي تهدف الى الوصول اليه...
كانت تريد ان تعيش انسانية الانسان عندما يعيش مع ألم الاخرين...
كانت متأثرة بكلمة قرأتها لإمام البلغاء وسيد الحكماء وهو يقول:
أأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى ..
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو اكون أسوة لهم في شجوبة العيش...
فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همها علفها..
لقد دفعت ثمن تلك المشاعر التي كانت تتحسسها، وبالطبع فهي تعيش في مجتمع ينظر الى الامور بنظرة مختلفة فكانت معاناتها الصامتة ...
قرأت تلك الصورة من خلال اسئلة استمعت اليها وانا اقود سيارتي من دمشق الى انصار .
***
مساء الثلاثاء الماضي كنت أسجل برنامجا تلفزيونيا لاحدى الفضائيات الاسلامية المعروفة ، وكان موضوع البرنامج يتناول الحديث بشيء من التفصيل والاسهاب عن عالم البرزخ..
وكان موضوع تلك الحلقة عن سؤال ورد للامام عليه السلام عن سبب كره بعض المسلمين للموت.. فأجاب عليه السلام لأنه جهلوه،ولو عرفوه لأحبوه... وأن أرواح المؤمنين تجتمع في ظهر الكوفة ، وأرواح الاشرار في وادي برهوت..
ما أن خرجت من الاستديو حتى تلقيت اتصالا هاتفيا ..
كان الشيخ احمد على الخط ليخبرني بأن خالته الدكتورة زهرة قد انتقلت اليوم الى رحمة الله.. وقد أوصت بأن تدفن في النجف الاشرف..
كان في الخبر بعض المفاجأة ، وسرعان ما أجبته ..هنيئا لها..
ليس من المألوف أن تعزي شخصا فقد قريبا بمثل هذه العبارة - وإن كنت قد استعملتها مرارا منذ اسابيع ثلاث في زيارتنا لعوائل الشهداء في البصرة والناصرية الذين سقطوا في طريقهم لزيارة الحسين عليه السلام في الاربعينية التي تحمل الرقم 1372 من تاريخ الاربعينية الاولى عام 61 للهجرة..
هناك كنت اعني بكلمتي : هنيئا لمن يسجل اسمه بدمه في سجل الخلود لكونه من زوار الحسين عليه السلام..-
وهنا .. قصدت بكلامي تلك الصورة التي ارتسمت أمامي وانا استذكر شريطا سريعا مر في مخيلتي لم يتعد من عمر الزمن مائة يوم..
لقد ذهبت الدكتورة زهرة الى العمرة منذ بضعة اشهر وما أن عادت الى الشام حتى قررت أن تزور غريب الغرباء في مشهد الامام علي بن موسى الرضا..
كأنها كانت تريد ان توقع على وثيقة الانتماء الحقيقي..
جاءت الى قم في طريق عودتها الى الشام..
أبدت رغبة في أن تزور عليا والحسين والجوادين والعسكريين في العراق..
          ***
لم يكن معها فيزا ، وليس لديها الوقت لتنتظر الاجراءات الروتينية ولم يفلح سعاة الخير فيما يريدون..
ولم يبق على موعد مغادرتها الى الشام سوى اقل من اربع وعشرين ساعة..
فيسر الله في تلك الليلة ما يروي ضمأ الدكتورة زهرة لزيارة العتبات المقدسة في العراق ..
لقد منحها السفير ابو حيدر تأشيرة خاصة وفق صلاحياته لها ولمن معها وكان موعد السفر الى النجف الاشرف سابقا لموعد السفر الى دمشق..
 
ها أنت بعد ثلاثة أشهر توصين بأن تعودي بجسدك الى حيث القلب يسقي التربة من عصارة ليست كالعصارات..
 هنيئا لك ، رحمك الله والى روحك الفاتحة
 * الدكتورة زهرة  خبيز
 
                                                                                                                                                  مصطفى مصري العاملي
 

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=137
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29