• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : خواطر .
                    • الموضوع : أهي لقاءات الحنين.. أم لقاءات الوداع.. رحلت باكرا يا عبد الكريم .

أهي لقاءات الحنين.. أم لقاءات الوداع.. رحلت باكرا يا عبد الكريم

 وثلاثُ لقاءاتٍ خلال شهر كانت البديل عن ربع قرن من الزمن..

أهي لقاءات الحنين.. أم لقاءات الوداع..
 
حكايات التاريخ ارتسمت في هذه اللقاءات..
عندما ذهبت لزيارتك عصر آخر يوم من شهر شعبان الماضي للمرة الاولى برفقة أخي وابني .. لم يكن يدور في خلدي أنها ستكون الأخيرة..
 
جلسنا حيث كنت َ جالسا مع عديلك في مدخل بيتك الذي امضيت عمرك كادا في العمل على انجازه ليكون لائقا كما تحلم...
 
وها أنت تطوي صفحة العمر قبل أيام الخريف..
عندما جلسنا على تلك الفرندا.. وشاهدت جسمك النحيل بعد ذاك اللقاء الحميم.. راحت بي الذاكرة تطوي عقدين ونصف من عمر الزمن...
 
انظر نحو عبد الكريم.. والتفت الى عديله الحاج حسن .. وتأتي فاطمة فأقدم لها كتابي قائلا لها .. سأكشف الان عن سر لم يطلع عليه انسان من قبل.. وأشرت اليه في كتابي هذا ( رحلة في عالم الصلاة ) في صفحته السادسة ..
 
أتذكرين يا فاطمة .. الظرف المغلق الذي تركته أمانة معك في يوم من الايام واسترجعته بعد فترة من ذاك الزمن؟
 
أجابت لقد صرت جدة، وأدعى أم عماد..
ابتسمت قائلا.. نعم ولكني أعرفك مذ كنا نناديك فاطمة قبل أن تصيري أما لعماد.. كما ننادي عبد الكريم وليس أبا عماد..
فأنا أعرفكم من ذاك الزمن.. وليس في هذا الزمن..
 
يضحك عبد الكريم ويقول : وهل أرجعت لك الظرف مغلقاً..
هذا يعني أنها أمينة..
نعم .. لو لم تكن أمينة لما وضعت وصيتي معها..
نعم كانت وصيتي في ذاك المغلف عندما ذهبت يومها الى اقصى الجنوب ولم يكن يخطر ببالي أنني سأعود.. أو أسترجع الوصية..
 
لم يكن باستطاعتي ان اترك وصيتي التي لا زلت احتفظ بها مع أحد دون أن اكشف سرها او يكتشف أمرها ... فتركتها مع فاطمة.. ( ام عماد) وها أنا الان أكشف أمامها وامام عبد الكريم وأمام الحاج حسن عما كانت تحتويه تلك الرسالة..
 
في هذه البقعة حيث يرتفع البناء الشامخ كانت تلك الليلة المشهودة التي لا تنسى..
كنا مجموعة من الشباب التي كانت تحمل دمها على كفها.. وتحمل في عقلها وتفكيرها ووجدانها قضية الدفاع عن الوجود ، والارض والعرض والكرامة ، وقبل كل شيء عن الدين ، والتي كانت تستباح ممن آويناهم وحميناهم ودعمناهم وساعدناهم .. حملنا السلاح في تلك الليلة وفي هذه البقعة لنتقي غدرا مرتقباً.. في تلك الليلة الاخيرة من شهر أيلول، وكان ضوء القمر قبل منتصف الليل يكشف لنا تلك الهضاب..
 
اذكر تماما عندما وجهت كلامي لزملائي قائلا.. هل أن بنادقكم جاهزة لاطلاق النار فورا؟
وكان الجواب سلبيا.. فأخذت المبادرة قائلا.. لقموا بنادقكم .. فمن سيأتي لن ينتظر منكم ان تجهزوها...
 
وما أن انتصف الليل حتى دُعينا الى اجتماع طارئ.. في منزل قريب لم يكن قد اكتمل بناؤه بعد..
وكان الداعي لنا الحاج حسن.. وهو الجالس معنا في هذه المكان عند عبد الكريم.. يخبرنا أننا لن نستطيع البقاء الان وعلينا الانسحاب والتفرق..
فأحمد المعني بمتابعة الامور ليس هنا .. ولا يمكنه الحضور.. ولا يمكننا ان نتصرف بشيء من دونه..
 
تسلم الحاج حسن منا السلاح وكل ذهب الى مكانه وكان لفجر الغد موعد مع جحافل الغدر التي قتلت ام فهد..
 
ولم يسلم منهم والد فاطمة واحمد من الضرب والركل ومصادرة سياراته التي كانت تحتاجها الثورة !!
 
كل تلك الصور ترتسم في خيالي وانا التفت الى عبد الكريم الذي تحمل المسؤولية في تلك الحقبة لبضعة أشهر بعد أن غادر احمد البلدة بعيدا دون ان يتمكن من العودة ويكمل الى خارج الوطن..
 
وسافر عبد الكريم الى السعودية ليؤسس لحياته الخاصة ويلقي على عاتقي مهمة شاقة في البلدة كانت فاطمة عونا لي في بعض محطاتها..
 
كان على عبد الكريم وفاطمة أن يعلنا خطوبتهما بعد فترة وجيزة ..
وبعد سنتين ونيف يزفان عروسين في سيارتي واستمر بعبد الكريم السفر..
 
منذ ما يزيد على عشرين سنة التقيته في مناسبة عابرة وكان قد صار ممتلئ الجسم.. وها انذا اراه اليوم نحيلا أكثر مما كان في ايامه شبابه الاولى..
 
صورته بشعره الذي كان يستعمل السشوار في تصفيفه بدت من عالم الذكريات.. ولم تكن مشاركته في الاجتماع الذي رصدته يوما مع آخرين سوى محطة من محطات الشباب الباحث عن شخصيته في تلك الحقبة..
 
رسائله الي عندما كنت في الامارات لا تزال ضمن محفوظاتي الشخصية كصورته القديمة وصور عرسه، وها هو يرسم امامي صورة جديدة لأخ عزيز أحمل له في داخلي المودة والألم وانا اراه ذاويا ذابلا امضى عمره لكي يبني هذا البيت الصخري الجميل الذي لما يكاد يكتمل عاد صاحبه منذ اشهر الى ارض الوطن حاملا مرضا راح يفتك فيه ....
 
وهل ستترك السيكارة احدا دون ان تفتك بجسده وجيبه بل وحتى عقله..
 
أودعه بعد تلك الزيارة وهو يقول سأزورك قريبا انشاء الله عندما يتحسن وضعي قليلا.. وبعد بضعة ايام وفي احدى امسيات شهر رمضان المبارك يناديني الوالد لكي انزل واسلم على عبد الكريم..
لقد جاء ومعه فاطمة ، ليدعو الوالد لعقد قران ابنه عماد ...
 
 بعيد عيد الفطر التقيه للمرة الاخيرة .. في ذاك المكان الذي كان يوما معقلا للكرامة.. معتقل أنصار.. الذي امضيت فيه شهورا طويلة عندما حوله الاسرائيليون الى سجن في جنوب لبنان، والذي تحول الى منتزه أسموه " جنة الكرامة" ..
لقد جاء عبد الكريم ليحضر عقد قران ابن اخي فهو عديل ابنه ايضا..
وكان اللقاء الاخير..
ردد أمامي قائلا.. انشاء الله أتمكن من زيارة الامام الرضا واراك هناك ...
لقد رحل عبد الكريم عصر هذا اليوم ... ولم يتمكن من تحقيق هذا الحلم..
غدا سأذهب صباحا انشاء الله الى حرم السيدة فاطمة اخت الامام الرضا..
لأزور نيابة عنك واهديك ركعتين..
لقد رحلت في يوم رحيل الامام الجواد..
رحلت باكرا يا عبد الكريم...
إن في قصصهم لعبرة لاولي الالباب..
والى روحك الفاتحة..

  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=115
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 11 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19